Loading...
‏إظهار الرسائل ذات التسميات علم الاجتماع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات علم الاجتماع. إظهار كافة الرسائل

التدريب الميدانى .. مفهومه وأهدافه

يونيو 05, 2021

المورد البشري هو المورد الأهم والمحرك الأول لقاطرة التنمية، لذا أصبح موضوع التدريب واحدا من أهم متطلبات النجاح لأى مؤسسة؛ سواء أكانت مؤسسة تعليمية يناط بها إعداد كوادر قادرة على المنافسة في سوق العمل، أم مؤسسة عاملة تعمل على ثقل قدرات عامليها ورفع كفاءتهم المهنية.

ومع التقدم التكنولوجي وتزايد أهمية المعلومات في تحسين طرق أداء العمل وجودته، بما يشتمل عليه من تقليل للوقت والكلفة ورفع جودة الأداء؛ أصبحت المنظمات مضطرة إلى التفاعل مع هذه التغيرات المتسارعة وأن تعمل على تقييم أوضاعها وأداء كوادرها، وسد مواطن الخلل في مهارات عامليها، وذلك عن طريق الأخذ بعملية التدريب، إذ تعد عملية التدريب هى الوسيلة الأمثل للهيئات والمؤسسات في إدراك الكفاءة المنشودة، والتى أصبحت مطلبا أساسيا من متطلبات العصر.

ومن هنا تنبع أهمية التدريب الذي يمثل الاستثمار طويل الأجل على مستوى الموارد البشرية في المنظمة، والتدريب الإداري فيها. وكما تلعب الجامعات والمؤسسات التعليمية دورا رئيسا في صناعة العقول وبناء الفكر، فإنه منوط بها أيضا العمل على تهيئة الجو الملائم لطلابها والعاملين بها على السواء، بما يضمن رفع مستوياتهم المعرفية، وقدراتهم الأدائية وذلك للوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة الإدارية أو إكساب الخبرات العملية لطلابها من خلال الاحتكاك المباشر بالمشكلات المحتمل مواجهتها، ولا يقل ذلك أهمية عن التعليم النظرى، بل يؤكده وينقله من نطاق النظريات إلى نطاق الواقع العملى، وتعتمد العملية التدريبية على تحديد وبناء هذه القيمة الجوهرية التي تضمن تحقيق ذلك.

وتشير الدراسات المعاصرة، أن التدريب هو أحد الوظائف الإدارية المهمة التي تلعب دوراً مهماً في نجاح العمليتين التعليمية والإدارية على مستوى الهيئات التعليمية ومنظمات الأعمال الإنتاجية والخدمية على حد سواء، فالتدريب بوصفة وظيفة أساسية من وظائف إدارة الموارد البشرية يجعل إدارة المنظمة أكثر فاعلية في تحقيق أهدافها وخططها الاستراتيجية. إذ من خلال العملية التدريبية تستطيع المنظمة الحصول على القدرات الإدارية القيادية والتنظيمية والكوادر والمهارات البشرية الأخرى المدربة والمؤهلة لإنجاز العملية الإنتاجية على اختلاف أشكالها.

وفى هذا البحث نتناول التدريب الميدانى من حيث مفهومه، أهدافه، مراحله وأساليبه.

أولاً: مفهوم التدريب:

تعرف الأمم المتحدة عملية التدريب بأنها عملية تبادلية لتعليم وتعلم مجموعة من المعارف والأساليب المتعلقة بالحياة العملية وهو نشاط لنقل المعرفة الى الأفراد والجماعات الذين يعتقد أنهم يستفيدون منها، فالتدريب باختصار هو نقل للمعرفة وتطوير للمهارات .[1]

وفيما يلى بعض ما ورد فى هذا التعريف :

- التدريب هو عملية إكساب الخبرة، ثم صقل هذه الخبرة للوصول لمرحلة الإجادة، و ينطوي ذلك على تكرار لنفس الأداء، و لكن في كل تكرار تحدث إضافة جديدة. [2]

- وهو "عملية منظمة تهتم باكتساب قدرات معينة أو الاحتفاظ بها فالتدريب له أهمية على مستوى المجتمع والمنظمة والفرد حيث أن دور أنشطة التدريب في تنمية الموارد البشرية تتجسد أهميتها من حيث انعكاس هذه الأنشطة بالإيجاب لصالح المجتمع والمنظمة والعاملين". [3]

- "وهو عبارة عن عملية إكساب العاملين باختلاف مستوياتهم الوظيفية في المنظمة، مهارات ومعرفة جديدة تساعدهم على امتلاك القدرة على الأداء الجيد في مسيرتهم الإنتاجية في الحاضر والمستقبل، وبما يصب في مصلحة تحقيق أهداف المنظمة، إضافة الى كونه عبارة عن إجراءات منظمة، ومخطط لها، تعمل على مساعدة العاملين في التخلص من أي سلوك أو تصرف يؤدي الى رداءة أو بطء الأداء، ويتم إجراء التدريب من خلال برامج محددة بشكل دقيق، بحسب الهدف المقصود، وتقع مسؤولية التدريب على عاتق إدارة المنظمة وإدارة الموارد البشرية والعاملين المتدربين، فإدارة المنظمة هى المنوط بها الاهتمام بإجراء عمليات التدريب للعاملين، باعتبار أن ذلك جزءا من مهمة استثمار المورد البشري ، أما إدارة الموارد البشرية فذلك جزء من مهمة إدارتها في إدارة وتطوير وتنمية العاملين، أما بالنسبة للعاملين فإن أداء التدريب بشكل جيد وناجح هو جزء من مسؤوليتهم تجاه المنظمة وضرورة تطوير مهاراتهم. [4]

- ويقصد به (العملية المنظمة المستمرة التي يكتسب الفرد من خلالها المهارات والمعارف والقدرات والافكار والآراء التي يتطلبها أداء عمل معين او تحقيق هدف معين).

- فالتدريب اذا "يهدف الى اكساب العاملين مهارات ترتبط بوظائفهم وتساعدهم على تصحيح الانحرافات في جوانب ادائهم. [5]

"وهو جهد منظم ومخطط له لتزويد القوى البشرية بمعارف معينة وتحسين وتطوير مهاراتها وقدراتها وتغيير سلوكها واتجاهاتها بشكل ايجابي بناء من خلال التعليم المخطط له مما يساعد في أداء الواجبات الحالية والمستقبلية بشكل أمثل."

التدريب: هو الطريقة التي تساعد المتدربين للوصول إلى طريقة العمل المثلي في عملهم الحاضر أو المستقبلي بتنمية عادات وأفكار وحركات ومهارات صحيحة فيهم بواسطة تزويدهم بعمل ومعلومات أو مهارات فنية.

التدريب: عملية مستمرة محورها الفرد في مجمله تهدف إلى إحداث تغييرات سلوكية وذهنية وفنية لمقابلة احتياجات حالية ومستقبلية يتطلبها الفرد والعمل الذي يؤديه في التنظيم/ المؤسسة التي يعمل بها والمجتمع الكبير.

- التدريب: فعالية يمارسها الإنسان منذ نشأته حيث يتعلم بالتقليد والتكرار نظريا أو عمليا، ويعني كذلك عملية اكتساب المعارف والخبرات والتقاليد والعادات منذ بداية حياته وباستمرار.

وبناء على ما جاء فى التعريفات السابقة يمكننا استخلاص ما للعملية التدريبة من أهمية تجعله واحدا من أهم المقومات الأساسية لبناء المجتمع وبناء مؤسساته الحكومية والأهلية بمختلف اختصاصاتها ومجالاتها وعلومها ومعارفها لما يقدمه من خبرات ومعارف ومهارات للأفراد ثم للمؤسسات بشكل عام. ولذلك يمكن اعتباره عملية منظمة مستمرة تعطي معلومات وخبرات جديدة وتطور عادات وتقاليد واتجاهات للفرد لكي يتقدم نحو الأفضل والقدرة على تجاوز الأخطاء والسلبيات التي كان يسلكها أو يقع بها دون معرفة. [6]

ثانيًا أهداف التدريب الميدانى :

يتمثل الهدف الأساسي من التدريب والعملية التدريبية في إحداث تغييرات في سلوك ومعارف المتدربين، بقصد التغلب على المشكلات والمعوقات القائمة والمحتمل حدوثها من أجل رفع الكفاءة الإنتاجية للأداء.

وتهدف عملية التدريب إلى تحقيق الأهداف التالية :

أولا: ضمان أداء العمل بفاعلية وسرعة وسد الثغرات التي توجد بين معايير الأداء التي يحددها الرؤساء وبين الأداء الفعلي للعاملين.

ثانيا: ترغيب الموظف في عمله بتنمية ولائه وانتمائه للعمل باعتبار إن زيادة إنتاجيته مرهونة برغبته في أداء العمل.

ثالثا: توفير الدافع الذاتي لدى الموظف لزيادة كفاءته وتحسين إنتاجيته كما ونوعا من خلال توعيته بأهداف المنظمة وسياساتها وبأهمية عمله ومدى مساهمته في تحقيق تلك الأهداف؛ فهناك ضرورة ملحة لتقبل الموظف أهداف المنظمة ورسالتها لضمان أن يكون عمله هادفا وذا قيمة وفعالية.

رابعا: زيادة مهارات وقدرات الموظف واقتناعه بمقومات تؤهله للترقية للمناصب الأعلى، كما أن من الأهداف الرئيسية للتدريب تنمية وتغيير سلوكيات الأفراد لسد الثغرة بين مستوى الأداء الفعلي ومستوى الأداء المطلوب الوصول اليه ورفع مستوى أداء الفرد وتنمية مهاراته ومعارفه واتجاهاته فيما يتعلق بميدان عمله وصولاً الى علاقة ايجابية مرهونة بتحقيق أهداف المنظمة والأهداف التي يتطلع اليها الموظف. [7]

أنواع التدريب

هناك أنواع متعددة من البرامج التدريبية التي تعتمدها منظمات الأعمال، وفيما يلي إيضاحا لأنواع التدريب:

1- التدريب وفق المستوى التنظيمي: ويقسم إلى خمسة أنواع:

أ- التدريب المهني: ويهدف إلى إكساب الفرد مهارات ومعرفة الأداء في مهنة معينة، ويشمل هذا الأفراد الذين تم تعيينهم حديثا، وربما يشمل أيضا القدامى من العاملين لإكسابهم مهارات جديدة وتحديث لمعلوماتهم.

ب- التدريب الإداري: وينصب هذا النوع من التدريب على الأفراد العاملين في المجال الإداري والتنظيمي العمل الإداري، وأحيانا يكون هذا النوع من التدريب لغرض تهيئتهم لشغل مناصب إدارية عليا.

جـ - التدريب الإشرافي: ويشمل هذا النوع من التدريب الأفراد المشرفين لزيادة مهاراتهم وقدراتهم في الإشراف والتعامل مع الأفراد في ظل مسؤولياتهم نحو تحقيق رضا العاملين وتوجيههم لتحقيق الأهداف المراد إنجازها.

د- التدريب التخصصي: ويهدف هذا النوع من التدريب زيادة المهارات التخصصية في جانب معين من الاختصاصات المهنية وغالبا ما يشبه التدريب المهني إلا أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بمجال تخصصي من الأطر الوظيفية والمهنية.

هـ - تدريب المدربين: ويتم فيه تدريب المدربين للقيام بمهامهم التدريبية ورفع كفاءتهم للتعامل الناجح مع الأفراد الذين يتولون تدريبهم وخصوصا في المجالات السلوكية والفكرية، واستيعاب المدربين لنظريات التعلم والاتصال وأساليب التدريب.

2- التدريب وفق الزمن:

ويعتمد هذا النوع من التدريب على المدة الزمنية المطلوبة للتدريب وهي:

أ-التدريب قصير الأجل: ويستغرق هذا النوع من التدريب فترة أسبوع إلى ستة أسابيع ويتم فيه عقد دورات تدريبية بصورة مكثفة ومركزة حول البرنامج التدريبي.

ومن عيوبه عدم توفر الوقت الكافي للتدريب لتغطية الموضوع بصورة تفصيلية وكاملة وشمولية.

ب- التدريب طويل الأجل: وفي هذا النوع من التدريب يمتد إلى سنة أو أكثر ولذلك لحصول المتدرب على المعلومات الكافية حول المادة التدريبية مما يجعل الاستفادة منها أكبر قياسا بالتدريب قصير الأجل، ومن العيوب التي تؤخذ على هذا النوع من التدريب طول الفترة الزمنية بالإضافة عن التكاليف الناجمة عن العملية التدريبية.

3- التدريب وفق نوعية الأفراد

ويأخذ هذا النمط بعدين أساسيين هما:

أ‌- التدريب الفردي: ويتم في هذا النوع من التدريب تطوير المهارات والقدرات الفردية التي تتعلق بالأفراد لغرض ترقيتهم الى مراكز إدارية أعلى ولهذا فهو يقتصر على الافراد المعنيين.

ب‌- التدريب الجماعي: ويعتمد هذا الأسلوب من التدريب على مجموعة من الأفراد المراد تدريبهم جماعيا "وفي مراكز تدريبية متخصصة لغرض تطوير مهاراتهم في مجالات عملهم كتدريبهم مثلا على استخدام الحاسوب أو التقنيات الحديثة في العمل [8]

الفرق بين التعلم والتعليم والتدريب:

"لم تعد أهمية التعليم محلا لجدل، بل الصبح الجدل فى فيما يحتويه من تفاصيل دقيقة وتخصصات أدق، ولعل المصطلح الأشهر فى هذه المرحلة، هو مصطلح التعليم المستمر، وأحيانا التعلم المستمر، وهنا يتوجب علينا التوقف أولاً لبيان ما بين المصطلحين من اختلاف، قبل الخوض فى علاقة كل منهما بالتدريب.

مفهوم التعليم: هو عملية تنمية معرفية للفرد، لا تحتاج إلى هدف وظيفي محدد، يتم من خلالها تنمية القدرات الفكرية والتطبيقية بشكل عام.[9]

مفهوم التعلم :هو عملية تلقي المعرفة والقيم والمهارات من خلال الدراسة أو الخبرة مما قد يؤدي إلى تغير دائم في السلوك، تغير قابل للقياس بحيث يعيد توجيه الفرد الإنساني ويعيد تشكيل بنية تفكيره العقلية.[10]

والاختلاف ببساطة أن المعلم يقوم بالتعليم، والطالب يقوم بالتعلم .. هكذا الفرق ببساطة.

أما التدريب: فيمكن وصفه بأنه نقل محتوى تدريبي أو مهارة تدريبية من شخص (المدرب) إلى شخص/ أشخاص آخرين (متدربين) بحيث يتم فهم محتوى أو اكتساب المهارة بشكل صحيح من قبل المتدربين. [11]

فهو كما سبق وبينا .. نشاط إنسانى مخطط له يهدف إلى إحداث تغييرات في جوانب مختارة لدى المتدربين.

ومما سبق يتضح أن التدريب ليس هدفاً في حد ذاته وإنما هو وسيلة منظمة تستهدف تحسين وتنمية قدرات واستعدادات الأفراد، بما ينعكس أثره على زيادة أهداف المنظمة، حيث يعتبر الوسيلة الأهم التي تؤدي إلى تنمية وتحسين الكفاءة الإنتاجية للمنظمات .وأنه استثمار مستقبلى فى المورد البشري. "يعد التدريب مصدرا مهما من مصادر إعداد الكوادر البشرية وتوير كفاءاتهم وتطوير أداء العمل، لذا يعد التدريب انتاجا استثماريا يحقق عائدا ملموسا يسهم فى تلبية احتياجات النمو الاقتصادى والاجتماعى فضلا عن كونه وسيلة مهمة فى محاولات اللحاق بركب التقدم التكنولوجى" [12]

انطلاقا من هذا المفهوم للتدريب تبدو أهمية التدريب للموظف الجديد والموظف القديم على السواء؛ فالموظف الجديد الذي يلتحق حديثاً بالمؤسسة قد لا تتوافر لديه بعد المهارات والخبرات الضرورية لأداء واجبات الوظيفة بالكفاءة المطلوبة، مثل:

-إكساب المتدرب المهارات التي تجعل قادراً على أداء الواجبات المتوقعة منه بطريقة مرضية

- رفع مستوى الأداء و زيادة الإنتاجية والإنجاز

- تعرف اتجاهات وأساليب جديدة فى العمل

- تحقيق الإرضاء الوظيفى [13]

- مواكبة المؤسسات لمتطلبات البيئة المتغيرة والتطوير والتحديث الحاصلين فى المحيط.

- تقليل أخطاء العاملين وعيوب العمل، نظرا لإلمامهم بأعمالهم وقدرتهم على الأداء وتحقيق الرضا الذاتى.

- غرس أخلاقيات وسلوكيات جديدة واتجاهات تسهم فى تحسين جو العمل [14]

دوافع التدريب :

من خلال مفاهيم التدريب وأهميته نجد أن دوافع التدريب تتمثل في :

1- زيادة الإنتاج: وذلك بزيادة الكمية وتحسين النوعية من خلال تدريب العاملين على كيفية القيام بواجباتهم بدرجة عالية من الإتقان ومن ثم زيادة قابليتهم للإنتاج.[15]

2- الاقتصاد في النفقات: حيث تؤدى البرامج التدريبية إلى خلق مردود أكثر من كلفتها وذلك عن طريق رفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين والاقتصاد في الوقت نتيجة للمعرفة الجيدة بأسلوب العمل وطريقة الأداء.[16]

3- رفع معنويات العاملين: إذ عبر التدريب يشعر العامل بجدية المؤسسة في تقديم العون له ورغبتها في تطويره وتمتين علاقته مع مهنته التي يتعيش منها مما يؤدى ذلك إلى زيادة إخلاصه وتفانيه في أداء عمله [17]

4- توفير القوة الاحتياطية في المنشأة: بحيث يمثل مصدراً مهماً لتلبية الاحتياجات الملحة في الأيدي العاملة، فعبره يتم تخطيط وتهيئة القوى العاملة المطلوبة.[18]

5- التقليل في الإسراف: لأن تدريب العاملين معناه تعريفهم بأعمالهم وطرق أدائها وبذلك يخلق معرفة ووعياً وقدرة على النقد الذاتي بشكل لا يحتاج معه المدرب إلى مزيد من الإشراف والرقابة في أدائه لعمله. [19]

6- القلة في حوادث العمل: إن التدريب معناه معرفة العاملين بأحسن الطرق في تشغيل الآلة وبحركة ومناولة المواد وغيرها ما يعد مصدراً من مصادر الحوادث الصناعية ويعمل التدريب على القضاء أو التقليل من تلك الحوادث المرتبطة بهذه العمليات . [20]

ثالثا: مراحل التدريب وأساليبه:

المرحلة الأولى، تحديد الاحتياجات التدريبية:

إن الخطوة الأولى والأساسية في العملية التدريبية هي تحديد الاحتياجات التدريبية، أي تحديد ما هو التدريب المطلوب. وذلك بصورة مستمدة من احتياجات المنظمة، وتساعد على تحقيق غاياتها. [21]

والحقيقة فإن كل الخطوات الأخرى في العملية التدريبية تستند إلى هذه الخطوة التشخيصية، فمحتوى البرامج التدريبية، والأساليب المستخدمة في التدريب ونوعية المتدربين ومستواهم الوظيفي والوقت والجهد الذي سيبذل كلها تعتمد على الاحتياجات التدريبية. والاحتياجات التدريبية هي مجموعة التغيرات والتطورات المطلوب إحداثها في معلومات العاملين ومهاراتهم وسلوكهم، لرفع كفاءتهم وفقا لمتطلبات العمل بما يساعد في التغلب على المشكلات التي تعترض سير العمل في المنظمة ويسهم بتطوير الأداء والارتقاء بمستوى الخدمات بشكل عام.

وتحديد الاحتياجات التدريبية لا يتم بصورة عشوائية وإنما على أساس التخطيط السليم والدراسة الدقيقة لطبيعة الوظائف وللمهارات والقدرات المطلوب أدائها في المنظمة؛ ولكن بالرغم من أهمية تحديد الاحتياجات التدريبية بناء على تحليل دقيق لحاجات المنظمة فإن المنظمات في كثير من الأحيان تقوم بإخضاع موظفيها للتدريب دون أن تكون ثمة حاجة فعلية إلى تطوير قدرات أو مهارات معينة أو لتحسين مستوى الأداء في أعمال معينة الأمر الذي يكون فيه إهدار للوقت والمال والجهد .

والحقيقة أنه ليس من السهل دائما تحديد الاحتياجات التدريبية وفي هذا الصدد ينبغي للمديرين وموظفي إدارة الموارد البشرية التنبه إلى بعض المؤشرات التي تساعد على إظهار مدى الحاجة إلى التدريب، ومن ثم تحديد نوع التدريب المطلوب وكيفية تنفيذه، وثمة حالات تكون فيها المؤشرات للحاجة إلى التدريب واضحة فعلى سبيل المثال فإن المنظمة التي تتوسع في ميكنة عملياتها ومن ثم تلغي بعض الوظائف قد تلجأ في حالة وجود وظائف شاغرة أخرى في المنظمة إلى إعادة تأهيل بعض موظفيها لشغل تلك الوظائف كذلك فإن التوسع في استحداث عدد من الوظائف الجديدة يتطلب برنامجا تدريبيا لشغل الوظائف الشاغرة بالإضافة إلى أن تغيير أساليب العمل أو تغيير الخدمات المقدمة أو تغيير مواقع الأفراد بسبب النقل أو الترقية أو التكليف أو وجود معدلات عالية من الأخطاء في أداء الأعمال في أحد الأقسام قد يكون مؤشرا على الحاجة إلى تدريب لتطوير مهارات العمل.

إلا إنه في حالة غياب مؤشر واضح للحاجة إلى التدريب فإن المسؤولية تقع على عاتق إدارة المنظمة لتقوم بالتحليل الدوري للعمليات التنظيمية، وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة فعلية إلى تدريب الموظفين وفي هذا الخصوص يجب أن تتبنى المنظمة آلية منتظمة لتحديد الاحتياجات التدريبية فيها. وبصفة عامة يتم تحديد الاحتياجات التدريبية باستخدام ثلاثة أنواع من التحليلات هي تحليل المنظمة، تحليل المهام، تحليل الأفراد.

المرحلة الثانية ، تحديد أهداف التدريب:

في هذه المرحلة يتم ترجمة الاحتياجات التي تم تحديدها في المرحلة الأولى إلى أهداف زمنية وكمية ونوعية محددة لتكون بمثابة المرشد للجهود التالية للتدريب. وتتضمن هذه الأهداف تحديد ما الذي ينبغي للمتدرب اكتسابه، أو ما الذي ينبغي أن يكون المتدرب قادرا على أدائه، ولم يكن قادرا على أدائه من قبل، بعد انتهائه من التدريب.

ويتعين أن يتم تحديد هذه الأهداف بصورة واضحة ومحددة وقابلة للقياس، بحيث يمكن تقويم مدى نجاح التدريب أو إخفاقه من خلال الرجوع إلى هذه الأهداف.

وتشمل أهداف البرامج التدريبية في العادة ثلاثة جوانب رئيسة هي: المعارف، والمهارات، والاتجاهات.

وتهدف المعارف إلى تزويد المتدرب بالمعلومات، والمفاهيم، والنظريات والمبادئ الأساسية، والأنظمة، واللوائح، والسياسات، التي تساعد المتدرب على أداء عمله.

أما المهارات فتتعلق باكتساب القدرة على الممارسة والتطبيق العملي لوسائل محددة لأداء الأعمال. بينما تعنى الاتجاهات بالتأثير على أفكار المتدرب وقيمة نحو الأفراد أو الأشياء أو المواقف بطريقة إيجابية.

ويشمل تحديد الأهداف تعيين الهدف الرئيس، والأهداف الفرعية. فأما الهدف الرئيس، فهو النتيجة الكلية للبرنامج التدريبي بأكمله، والركيزة التي يرتكز عليها البرنامج التدريبي، وتدور حوله مجهودات التدريب وتهدف إلى الوصول إليه.

وأما الأهداف الفرعية، فهي سلسلة النتائج المؤدية إلى هذه النتيجة الكلية . فقد يكون الهدف الرئيس، مثلا تدريب طائفة من المشرفين على اكتساب القدرة على اتخاذ القرارات في مدة محددة. وقد تكون الأهداف الفرعية المؤدية له تنمية معلومات هؤلاء المشرفين في العملية الإدارية، وإلمامهم بمكونات الإدارة ووظائفها، وزيادة وعيهم بالجوانب التنظيمية والإنسانية والفنية للمشكلات التي يصادفونها.

ويعد كل واحد من هذه الأهداف الفرعية وسيلة للهدف الذي يليه ،ومن ثم وسيلة تحقيق الهدف الكلي.

فإذا تمت زيادة معلومات المشرفين بالعملية الإدارية فإن ذلك يمكنهم من تفهم المشكلات التي يصادفونها في أعمالهم. وإذا أمكن فهم المشكلات ،زادت قدرتهم على تحليلها، ومن ثم مهاراتهم في فحص الأسباب وبحث البدائل الممكنة للحلول. وهكذا إلى أن يصل هؤلاء المشرفون للهدف الرئيسي، وهو القدرة على اتخاذ القرارات.

المرحلة الثالثة، تصميم البرامج التدريبية:

بعد تحديد الاحتياجات التدريبية، وتحديد الأهداف التدريبية، فإن الخطوة التالية تكون تصميم البرامج التدريبية للشروع في التنفيذ الفعلي للتدريب. ويعنى تصميم البرامج التدريبية بتحديد محتوى التدريب ،واختيار الأساليب التدريبية، والمدربين، ومدة البرنامج ومكانه وتكاليفه، وسيتم التركيز فيما يلي على الأساليب الأساسية للتدريب.

يتطلب تصميم البرامج التدريبية تحديد أسلوب التدريب المناسب، الذي يساعد على تحقيق الأهداف التدريبية على أفضل وجه ممكن. وأساليب التدريب هي الوسائل التي يمكن استخدامها من أجل نقل المعارف، والمهارات، والاتجاهات المرغوبة للمتدرب.

وهناك العديد من الأساليب التدريبية، ويعتمد اختيار الأسلوب المناسب منها على عدد من المعايير، التي من بينها ما يلي:

- نوع السلوك المطلوب اكتسابه (مهارات فنية، مفاهيم ،مهارات لفظية، اتجاهات، .. الخ)

- عدد الموظفين المطلوب تدريبهم

- مستوى القدرات التي يتمتع بها المتدربون

- الفروق الفردية بين المتدربين 

- تكاليف التدريب بالنظر إلى المعلومات المختلفة

المرحلة الرابعة، تقويم التدريب:

من الضروري الحرص على تقويم التدريب بأسلوب علمي لتحديد مدى فاعليته في تحقيق غاياته. "ويمكن تقويم التدريب من خلال أربعة مستويات من النتائج رد الفعل، التعلم، السلوك، والنتائج". [23]

- رد الفعل: ويتم بقياس شعور المتدربين تجاه العناصر المختلفة للبرنامج التدريبي، بما في ذلك محتوي البرنامج، أساليب التدريب، قدرة المدرب وأسلوبه، بيئة التدريب، مدى تحقيق أهداف التدريب.

- التعلم (التعليم المكتسب): ويتم باختبار المتدربين قبل التدريب وبعده، ومقارنة نتائج الاختبار. وتساعد مقارنة النتائج في الحالتين على تحديد مقدار التعلم الذي نتج عن البرنامج. وإذا ما تم تصميم الاختبارات بطريقة سليمة يمكن تحديد مقدار التعلم الذي يرجع إلى البرنامج، وليس إلى الخبرة السابقة أو أية عوامل أخرى.

- السلوك: يقيس تقويم السلوك مدى تأثير التدريب في الأداء الفعلي للموظف. وهنا يتم التقويم من خلال إجراء مقابلات مع الموظفين وزملائهم ورؤسائهم، أو من خلال مراجعة نتائج تقويم الأداء الوظيفي. وحتى يكون التقويم أكثر دقة، يتم قياس الأداء قبل التدريب وبعده لتحديد الفرق في السلوك، أو من خلال مقارنة أداء الموظفين الذين تلقوا التدريب وأولئك الذين لم يتلقوه. ولكن ينبغي مرور مدة كافية من الزمن بعد انتهاء البرنامج التدريبي لإجراء التقويم، حتى يتاح للمتدربين تغيير سلوكهم وتطبيق ما تعلموه.

تصنيف أساليب التدريب:

يمكن تصنيف أساليب التدريب بطرق متعددة. فعلى سبيل المثال ،يمكن تصنيفها حسب مكان التدريب في فئتين رئيستين: تدريب على رأس العمل، وتدريب خارج العمل. ويمكن تضيفها حسب الموضوع العام للتدريب، إلى تدريب مهني، وفني، وسلوكي. أو حسب المتدربين؛ تدريب فردي وتدريب جماعي . ولكننا سنتناول هذه الأساليب بتصنيفها في ثلاث فئات رئيسية على النحو التالي:

- أساليب المحتوى: التي تصمم لتقديم المعرفة أو المعلومات للمتدربين.

- أساليب العمليات: التي تهدف بصورة رئيسة إلى تغيير الاتجاهات وتطوير الوعي بالذات وبالآخرين، والتأثير في مهارات العلاقات الشخصية للمتدربين. [22]

- الأساليب المختلطة: التي تتضمن نقل المعلومات، وكذلك تغيير الاتجاهات.....

الخلاصة:

يجرى هذا النوع من التقويم من خلال مقارنة السجلات قبل التدريب وبعده. وتعد هذه الوسيلة من أكثر الوسائل صعوبة لتقويم التدريب، مكمن الصعوبة أن المقاييس المستخدمة فيها لا تأخذ في الحسبان المتغيرات الصغيرة التي قد تؤثر في النتائج، والتي قد لا يكون لأداء الموظف دخل فيها. وقد يكون أفضل وسيلة لتنفيذ هذا النوع من التقويم من خلال استخدام المقاييس القبلية والبعدية للجوانب التنظيمية المطلوب إحداث التغيير فيها، ومن ثم استنساخ ما إذا كان التدريب عنصرا جوهريا في استحداث التغيير. [24]

ولأن المورد البشري هو المورد الأهم، والمحرك الأول لقاطرة التنمية، فقد أصبح موضوع التدريب أحد أهم متطلبات النجاح لأى مؤسسة؛ تعليمية أو إنتاجية أو خدمية.

يأتى ذلك من منطلق مجموعة الأهداف التى تختص بكل منظمة، كل بحسب اختصاصه، غير أن هناك مبادئ تنظم عملية التدريب، منها الأهداف والأهمية وأسلوب التدريب وتسلسل مراحله إضافة إلى طريقة التقويم .

فأما الأهداف: فيمكن اختصارها في إحداث تغييرات في سلوك ومعارف المتدربين، بقصد التغلب على المشكلات والمعوقات القائمة والمحتمل حدوثها من أجل رفع الكفاءة الإنتاجية للأداء.

وتهدف عملية التدريب إلى تحقيق الأهداف التالية، ضمان أداء العمل بفاعلية وسرعة وسد الثغرات التي توجد بين معايير الأداء التي يحددها الرؤساء وبين الأداء الفعلي للعاملين، ترغيب الموظف في عمله بتنمية ولائه وانتمائه للعمل باعتبار إن زيادة إنتاجيته مرهونة برغبته في أداء العمل، توفير الدافع الذاتي لدى الموظف لزيادة كفاءته وتحسين إنتاجيته كما ونوعا من خلال توعيته بأهداف المنظمة وسياساتها وبأهمية عمله ومدى مساهمته في تحقيق تلك الأهداف؛ فهناك ضرورة ملحة لتقبل الموظف أهداف المنظمة ورسالتها لضمان أن يكون عمله هادفا وذا قيمة وفعالية، زيادة مهارات وقدرات الموظف واقتناعه بمقومات تؤهله للترقية للمناصب الأعلى.

كما أن تنمية وتغيير سلوكيات الأفراد واحد من الأهداف الرئيسية للتدريب؛ لسد الثغرة بين مستوى الأداء الفعلي ومستوى الأداء المطلوب الوصول اليه ورفع مستوى أداء الفرد وتنمية مهاراته ومعارفه واتجاهاته فيما يتعلق بميدان عمله وصولاً الى علاقة ايجابية مرهونة بتحقيق أهداف المنظمة يمكن تصنيف أساليب التدريب بطرق متعددة.

فعلى سبيل المثال، يمكن تصنيفها حسب مكان التدريب في فئتين رئيستين: تدريب على رأس العمل، وتدريب خارج العمل. ويمكن تضيفها حسب الموضوع العام للتدريب، إلى تدريب مهني، وفني، وسلوكي. أو حسب المتدربين؛ تدريب فردي وتدريب جماعي.

ويمكن تصنيف هذه الأساليب في ثلاث فئات رئيسية؛ أساليب المحتوى، أساليب العمليات، الأساليب المختلطة.


الهوامش:

[1] عائدة عبد العزيز نعمان - رسالة ماجستير - جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا - 2008

[2] الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالى-https://www.abahe.uk/training-concept.html

[3] عائدة عبد العزيز نعمان - رسالة ماجستير - جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا - 2008

[4] د/ ثناء عبد الكريم - كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة بابل - 3/12/2018

[5] المرجع السابق

[6] رسالة دكتوراه - جامعة سانت كليمنتس العالمية - دور تدريب الموارد البشرية في بناء القدرات الإدارية القيادية -2012

[7] عائدة عبد العزيز نعمان - رسالة ماجستير - جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا - 2008

[8] د/ ثناء عبد الكريم - كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة بابل - 3/12/2018

[9] إعداد المدرب المبدع – د/ أسامة محمد سيد على – دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع

[10] لمعجم المصرى فى التربية - د/ تونيا قزامل – عالم الكتب – ط 1/2013

[11] نظرية التدريب: التحول من أفكار ومبادئ التدريب إلى واقعه الملموس محمود أحمد رضوان - 2013 – المجموعة العربية للتدريب 2013

[12]التربية المهنية – محمود محمد الجراح – أمواج للنشر والتوزيع ط1 - 2013

[13] التربية المهنية – محمود محمد الجراح – أمواج للنشر والتوزيع ط1 - 2013

[14] التدريب الميداني تعريفه اهميته مراحله – سامية موسى إبراهيم ، نائلة فائق – عالم الكتب 2010

[15] نظرية التدريب: التحول من أفكار ومبادئ التدريب إلى واقعه – مرجع سابق

[16] إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات – عبد الله حسن مسلم 2015

[17] المرجع السابق

[18] المرجع السابق

[19] إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات – مرجع سابق

[20] إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات – مرجع سابق

[21] إدارة الموارد البشرية – مازن فارس رشيد مكتبة العبيكان – السعودية – الطبعة 3/ 2009

[22] إدارة الموارد البشرية – مازن فارس رشيد مكتبة العبيكان – السعودية – الطبعة 3/ 2009


<img src=”صورة تجمعات بشرية.jpg” alt=”التدريب الميدانى “/>


التطور التاريخى لعلم الاجتماع

يناير 24, 2021


الإنسان كائن اجتماعى بطبعه، لا يستطيع العيش بمفرده؛ لذلك فقد انضوى تحت مظلة الجماعة منذ بداياته الأولى؛ سواء كانت قبيلة أو عشيرة أو دولة.

وقد ظهرت البواكير الأولى لعلم الاجتماع من بين ثنايا الفلسفات الإغريقية القديمة، فى (الجمهورية، السياسى، القوانين) عند افلاطون، وفي كتاب (السياسة) عند أرسطو، كما ظهرت في كتابات مفكرينا الأوائل أمثال الجاحظ، وابن رشد، وابن خلدون الذى تكلم في مقدمته، عن علم جديد أسماه علم العمران، والذى سعى فيه إلى كشف القوانين التى تفسر الظواهر الاجتماعية المختلفة، فدرس العمران ونظمه وأرجع الظواهر إلى قوانين ثابتة، وليس إلى المصادفة أو إرادة الأفراد [1]. ثم ميَّز أوجست كُونت بين الظواهر الاجتماعية والظواهر الفردية، وجعل من الظواهر الاجتماعية علمًا واقعيًا وضعيًا أسماه علم الاجتماع [2].

ويمكن القول بأن المرحلة التمهيدية لعلم الاجتماع بدأت منذ نشر مونتسيكو كتابه روح القوانين وحتى ظهور أعمال كونت وهربرت سبنسر خلال الفترة من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر .

ويمكن اعتبار النصف الثانى من القرن التاسع عشر بأنه الفترة التى تشكل فيها علم الاجتماع باعتباره علمًا مستقلا، ثم توالت إسهامات رواد علم الاجتماع مثل إيميل دوركايم، ورايت ويلز، وجورج لينرج، و بيتريم سوروكين، وتعددت نظرياتهم، فتوسعت أفكار هذا الميدان الثرى ليتشعب إلى ميادين عدة أكثر تخصصًا، بدأها دوركايم بثلاثة ميادين هى، المورفولوجيا ويعنى بالتركيب الجغرافى والسكانى، الفسيولوجيا الاجتماعية التى تعالج مجموعة العلاقات والتفاعلات بين الجماعات كالعقيدة والأخلاق والقانون والحياة الاقتصادية، الاجتماع العام ويمثل العلم الشامل الذى يجمع النتائج والقوانين العامة التى تصل إليها فروع علم الاجتماع مهما تباينت مقدمات تلك النتائج وأساليب استنباط تلك القوانين، ليتطور علم الاجتماع تطورا تخصصيا، وليُفتح الباب أمام العديد من التخصصات الأخرى.

تعريف علم الاجتماع :

تعددت تعاريف علم الاجتماع بتعدد العلماء والنظريات والمذاهب فقد عرفه مؤسسه أوجست كونت بأنه "الدراسة العلمية للمجتمع"[3]

وعرفه انتونى جدنر بأنه "العلم المعنى بدراسة الحياة الاجتماعية والمجتمعات الإنسانية [4] وهو العلم الذي يُعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية، والعلاقات التى تنشأ بين أفراد هذه الجماعات من حيث تكوينها واتجاهاتها وأهدافها [5]

ويعتبر ابن خلدون أول من لفت الانتباه إلى هذا العلم وأرسى قواعده الأساسية وأعطاه اسم علم العمران، فقد صرّح بشكل مباشر عن اكتشافه علماً مستقلاً لم يتكلم به أي أحد آخر قبله، حيث كان له أيضاً ملاحظات ذكية في طبائع العمران البشري، والتي ذكرها في مقدمته المشهورة،[6] وعلى الرغم من ذلك فإنّ البداية الواقعية لنشأة علم الاجتماع تنسب إلى أوجست كونت.

ويعد علم الاجتماع من العلوم الحديثة نسبياً بالمقارنة بالعلوم الاجتماعية الأخرى مثل: الاقتصاد، وعلم الإنسان، والتاريخ، وعلم النفس، وبالتالي فهو ظهر كردّ أكاديمي على تحدي الحداثة، فعلم الاجتماع لا يمكن أن ينفصل عن تاريخ الفلسفة الاجتماعية، وبالتالي ارتبطت نشأة علم الاجتماع بنشوء الفلسفة مثل بقية العلوم الأخرى، حيث إنّ علم الاجتماع لا يمكن أن يفهم الواقع دون إطار فلسفي يعود إليه في تجريد الظاهرة الاجتماعية، والربط بين معطياتها ومعطيات المجتمع والتاريخ.

وقد حصل هذا العلم على استقلاله الذاتي بفعل تعقّد الحياة الاجتماعية الذى فرض تشعبه إلى عدة ميادين مختلفة، بحيث يدرس كل منها جانباً من جوانب الحياة الاجتماعيّة.

مراحل تطور علم الاجتماع :

إن تاريخ علم الاجتماع كعلم مستقل له حدود واضحة لا تزيد عن مائة وخمسين عاما على الأكثر. ولكن هل معنى هذا أن البشرية لم تهتم بقضايا وموضوعات الحياة الاجتماعية إلا منذ هذا التاريخ القريب؟؟

الواقع أن البشر قد انتبهوا منذ آلاف السنين إلى كثير من تلك الموضوعات وعديد من هذه القضايا (وخاصة المشكلات) التي نهتم اليوم بدراستها دراسة علمية، ولكن ما يميز دراستنا عن دراستهم هو – في المقام الأول – استخدام ( المنهج العلمي في جمع المعلومات وتأويلها)[7]

من هذا المدخل يمكننا أن نقسم مراحل تطور علم الاجتماع إلى ثلاث مراحل:

- بدأت الأفكار التى ننسبها اليوم إلى علم الاجتماع بالظهور في مخطوطات المصريين القدماء وكتب الفلسفة الصينية واليونانية القديمة عند كونفشيوس وأفلاطون وأرسطو في كتب لا تحمل عناوينها شيئا عن علم الاجتماع، فالبدايات الحقيقية لعلم الاجتماع قديمة قدم الإنسان.

يقول جيمس برستيد في كتابه فجر الضمير عن الأخلاق الاجتماعية والسلوك الإنسانى في مصر القديمة "والواقع أن الوثائق تكشف لنا عن فجر الضمير ونشوء أقدم مثل للسلوك وما نتج عن ذلك من ظهور عصر الأخلاق ..الذى يعد رؤيا جديدة للأمل في زماننا هذا"[8]

وفي الصين بدأ "كونفوشيوس (551 ق.م) في توعية معاصريه بنشر مبادئ وقيم أخلاقية واجتماعية تدور حول شؤون السلطة وإدارة المجتمع، لم يذهب باتجاه الحديث عن أمور ما وراء الطبيعة، ولا بحث في نظام الكون وسننه، ولم يهتم بالبحث في الماديات وظواهر الطبيعة، كما فعل فلاسفة اليونان؛ وإنما تركز اهتمامه على الإنسان، وعكف على مجتمعه باحثًا في أزماته وقضاياه التي تمس حياة المواطن. وعاد إلى تراث بلاده، ومن ذلك خرج بأفكاره الإصلاحية التي تركز على الفرد والمجتمع[9]

- وفى اليونان كان "أرسطو" المفكر اليوناني الشهير، من أكثر مفكري اليونان أثرا في الفلسفة الاجتماعية، ويرجع ذلك إلى عمق تفكيره ونظرته النافذة إلى ما يسمى بالعمليات الاجتماعية. كما كان له السبق في بحثه عن أسس العلاقات السياسية والاجتماعية. 

ويعتبر كتابة السياسة مدخلاً لدراسة الظواهر الاجتماعية [10] ومن أهم أفكار "أرسطو" ما قرره من أن الإنسان حيوان اجتماعي أو كائن اجتماعي، وقد استمد "أرسطو" من هذه القضية ضرورة دخول الإنسان في علاقات اجتماعية، أما سقراط فقد عالج السلوك الأخلاقى من خلال تناوله لفكرة خلود الروح وربط بين سعادتها وبين الفضيلة [11]، ويلاحظ أنها ذات الفكرة المصرية القديمة التى ربطت السعادة في الآخرة بالسلوك المستقيم في الدنيا، ومن بعده جاء تلميذه أفلاطون الذى رأى " أن المجتمع البشري هو حاجة طبيعية، فالفرد لا يمكن أن يحيا إلا في مجتمع سواء كان هذا المجتمع هو الأسرة أو المدينة. 

ويقول "أفلاطون" أن المجتمعات تطورت من البساطة إلى التعقيد بفضل نظام تقسيم العمل والتخصص الذي قاد المجتمع إلى الاتجاه نحو تصدير الفائض لديه من سلع، واستيراد ما يحتاجه مما يدفعه نحو إقامة علاقات تبادل تجاري (مع المجتمعات الأخرى)[12]

ثانيا : الفكر الاجتماعى عند علماء العرب والمسلمين

بدأت هذه المرحلة في القرن السابع الميلادى وامتدت إلى ما يقرب من سبعة قرون، وخلال هذه الفترة دارت أفكار المفكرين العرب حول طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع ، فمنهم من تحدث عن حاجة الأفراد إلى الاجتماع والعيش سوية للمحافظة على وجوده، مثل الجاحظ، إذ قال: (أنَّ حاجة الناس بعضهم إلى بعض صفة لازمة في طبائعهم وخلقهم وقائمة في جواهرهم) [13] وهى رؤية ليست ببعيدة عن رؤية ابن خلدون الذى أرجع طبيعة الإنسان إلى الاجتماع والتعاون من أجل البقاء، مؤكداً ضرورة وجود وازع يجمع بينهم ويدافع عنهم لصد الاعتداءات الخارجية ومنع الظلم الذي يقع عليهم. [14]

 ويعد تعريف ابن خلدون من التعريفات المبكرة لعلم الاجتماع، والذى عرف «علم الاجتماع» تحت مسمى "علم العمران" بأنه: (ما يَعْرِض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والإيناس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض.. وما ينشأ من ذلك من المُلك والدول ومراتبها.. وما يقوم به البشر من أعمال الكسب والمعاش والعلوم والصنائع).. [15] وإذا كان علماء الاجتماع يقسمون علم الاجتماع إلى مرحلتين هما: الفكر الاجتماعي، وعلم الاجتماع.. فإن ابن خلدون يعتبر نموذجا لحلقة الوصل بين هاتين المرحلتين.

يتحدث الفارابي في القسم الثاني من كتاب "أهل المدينة الفاضلة" (القسم الاجتماعي) عن بيان الحاجة إلى الاجتماع البشري، أي حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان في إشباع متطلباته الأساسية والاجتماعية والروحية، علماً بأن إشباع هذه المتطلبات يعتمد على توافر القوام المادي والكمال المعنوي في المجتمع الإنساني الذي تحدث عنه الفارابي. ولا شك أنه رجع في هذا الصدد إلى القضية الأساسية لأرسطو وهي أن الإنسان مدني بالطبع ، وهو بفطرته محتاج من الناحيتين المادية والمعنوية إلى أشياء كثيرة ليس في وسعه أن يستقل بأدائها ولا يقوى على تحقيقها منفرداً حيث قال:" وكل واحد من الناس مفطور على أنه يحتاج في قوامه وفي أن يبلغ أفضل كمالاته إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلها وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء مما يحتاج إليه ، وكل واحد من كل واحد بهذه الحال .. ولهذا كثرت أشخاص الناس فحصلوا في المعمورة من الأرض، فحدثت منها الاجتماعات الإنسانية [16]

وتكلم ابن رشد فى الاجتماع الكامل وشمل جوانبه المختلفة والتى بدأها بالاجتماع الكامل الذى تحققت فيه كل معانى العدالة والفضيلة والكمال وانتهى إلى أن الاجتماع الإنسانى قائم على الحاجة الاقتصادية كأساس للتجمع وقيام الأسرة والقرية والمدينة والدولة [17]، كما ساهم الكثيرون مثل ابن سينا والفارابى وابن الطفيل في إثراء هذا العلم.

ثالثا – المرحلة الوضعية لعلم الاجتماع

بدأت الملامح لعلم الاجتماع الغربى مع عصر التنوير ومهد العديد من الفلاسفة والمفكرين للعلم الذى نسب إلى أوجست كونت ومن أبرز مفكري هذه المرحلة العالم الإيطالي فيكو الذى لم يوضح حاجة الإنسان لأخيه الإنسان كما مر بنا في المرحلة الأولى وإنَّما وضع ثلاث مراحل تمر بها جميع المجتمعات البشرية خلال تطورها وهي:

1- المرحلة الأولى: وتتسم هذه المرحلة بإرجاع الأوامر والنواهي لمشيئة الآلهة .

2- المرحلة الثانية: وهى الأبطال الأشداء الممثلين في الزعماء الذين يحررون الإنسان من سيطرة الافكار الدينية.

3- المرحلة الإنسانية: في هذه المرحلة تعم المساواة وتسيطر فكرة الواجب وتوضع فيه أسس الحضارة ودعائمها [18].

وهذا التطور في نظر "فيكو" لا يسير إلى حالة مالا نهاية؛ ولكنه يسير بصورة دائرية حيث إن آخر عصر يمهد للعصر الأول ولكن بصورة أرقى، وهو بذلك يذهب إلى إن البشرية بعد أن تصل إلى العصر الثالث ما تلبث أن تتقهقر راجعة إلى العصر الأول وإن كان هذا التقهقر يتم بصورة مختلفة عما كان عليه العصر الأول، ومن ثم سمى قانونه بقانون النكوص [19] .

في إطار التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية التي كان يمر بها المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت، نشأ علم الاجتماع كرد فعل وكاستجابة للأزمات والمشكلات الاجتماعية التي كان يمر بها المجتمع الغربي خلال مرحلة الانتقال من النظام الإقطاعي القديم إلى النظام الرأسمالي الجديد، حيث تنوعت القضايا والمشكلات الاجتماعية [20].

مع توسع المشكلات بدأ إدراك أن دراسة قضايا ومشكلات هذا العلم تحتاج هي ذاتها إلى تعريف وتحديد واضح، كما أنها تشكل مجالاً لاهتمام علوم اجتماعية أخرى؛ لذلك فقد صنف العالم الفرنسى أوجست كونت علم الاجتماع - مؤسس علم الاجتماع الغربى والذى أطلق عليه اسم سوسيولوجى - إلى قسمين رئيسيين هما:

1- الاستاتيكا الاجتماعية                2- الديناميكا الاجتماعية.


- فأما الاستاتيكا الاجتماعية فتهتم بدراسة النظم والبناء الاجتماعي من ناحية التكوين والدور في المجتمع، حيث يركز هذا القسم على الاستقرار الاجتماعي.

- بينما الديناميكا الاجتماعية فتهتم بدراسة تطور وتغير المجتمع (حيث تركز على دراسة التطور والتغير الاجتماعي.) [21] حيث يرى أن الحياة الاجتماعية تحكمها قوانين كسائر الأشياء الطبيعية .

من هنا بدأت استقلالية علم الاجتماع والاعتماد على التفسيرات العقلية في تفسر الظواهر الاجتماعية و الاعتماد على الملاحظة المنظمة في دراسة الواقع الاجتماعي.

وقد اتسع نطاق مناقشة الموضوع الاستاتيكا الاجتماعية – والذي سمى فيما بعد بـ "البناء الاجتماعي"- بظهور الاتجاه البنائي الوظيفي الذي يقوم في جوهره على تصور المجتمع كبناء مكون من أجزاء متعددة تقوم كل منها بوظيفة محددة، وتترابط ( الوظائف وتتكامل فيما بينها للمحافظة على هذا البناء.) [22]

ثم توصل أوجست كونت إلى ما أسماه قانون المراحل الثلاثة ومفاد هذا القانون: إن التفكير الإنساني في كل منحى من مناحي المعرفة بدأ بمرحلة التفكير الديني وأسماها المرحلة اللاهوتية حيث كان تفسير الظواهر يتم بإرجاعها إلى قوى غيبية خارقة، واعتبرها المرحلة الأولى.

ثم تقدم العقل البشري خطوه إلى الأمام، حيث صار يفترض وجود قوى وخواص كامنة في طبيعة الأشياء ذاتها تؤدي إلى تغيرها وحركتها وعرفها بالمرحلة الميتافيزيقية ، وأخيرا المرحلة الثالثة، وهى مرحلة التجريب، التى تؤكد على استخدام التجريب في دراسة المجتمع، والسعي لتعميم نتائج التجريب على اساس أنَّ الخبرة العامة منبعاً لها واختباراً للمعرفة، المرحلة الثانية.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل كونت فهى مرحلة الوضعية وهي فلسفة ترى ضرورة اعتماد العلوم الاجتماعية - شأنها شأن العلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء- على النتائج المستمدة من التجربة الحسية، والأبحاث التجريبية، والمنهج العلمي (وهى مرحلته).

- استخدم أوجست كونت لفظ "علم الاجتماع" في المجلد الرابع من كتابه "جوهر الفلسفة الوضعية" معتبرا أنه أكثر العلوم تعقيدا وذلك بعد أن وضع نظاما متسلسلا متطورا للعلوم یكون فیه كل علم ضروري من حیث التسلسل بالنسبة للعلم الذي يأتي بعده، تشكل الریاضیات قاعدة هذا التطور المتسلسل للعلم تأتي بعدها الفلك ثم الطبيعة أو الفيزياء ثم الكيمیاء، فعلم الأحياء أو البيولوجيا وأخيرا علم الاجتماع على قمة الهرم [23].

حدد أوجست كونت أربعة محاور لمنهج البحث الاجتماعي وهي: الملاحظة (دراسة العادات والفنون والثقافة الخاصة بمجتمع معين) والتجربة والمنهج المقارن (المقارنة بين المجتمعات) والمنهج التاريخي (دراسة التاريخ للوقوف على قواعد وأسس المجتمع الثابتة على مر العصور) [24]

وتعددت إسهامات رواد علم الاجتماع الذين ظهرت أفكارهم تباعا في تلك المرحلة ومنهم: أميل دور كايم، وماكس فيبر، وتالكوت بارسونز، وكارل ماركس، وغيرهم .

دور كايم : هو عالم فرنسي أصدر أول مجلة اجتماعية في باريس، وألّف الكثير من الكتب في علم الاجتماع وأهمّها تقسيم العمل، وقواعد المنهج في علم الاجتماع، والانتحار.

ماكس فيبر: هو ألماني الجنسية كتب عن الدين، والسياسة، والسلطة، واهتم بالرأسمالية ونشأتها، وقسّم السلطة إلى أنواع رئيسيّة هي السلطة التقليديّة، والسلطة العقلانية القانونية، والسلطة الملهمة الكرزمية، كتب في (الأسباب الاجتماعية لانحطاط الحضارة القديمة) وألف أرشيف العلوم الاجتماعية والسياسة الاجتماعية مع ورنرسومبارت، ويعد مؤلفه "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية " أشهر أعماله، كما قدم طرحا جدیدا لعلم الاجتماع بتحدث فیه عن سوسیولوجیا الفهم، La Sociologie Compréhensive‘ وهو أكثر العلماء اهتماماً بمسألة الموضوعية في البحوث الاجتماعية، وتعتبر بحوثه في مجال الإدارة، والاقتصاد، والسياسة أهمّ المراجع للعاملين في تلك الميادين[26]

وكما اهتم علم الاجتماع بدراسة المجتمع الإنساني في كل أحواله، ثباته وتغيره، فإنه قد اهتم أيضا بدراسة بناء هذا المجتمع.

ويتكون هذا البناء من عناصر رئيسية هي:

النظم الاجتماعية المختلفة ممثلة في النظام السياسي، والنظام الاقتصادي، والنظام الأسري، والنظام التعليمي، والنظام الثقافي، والنظام الديني، وغيرها من النظم الاجتماعية.

كذلك يتكون بناء المجتمع من الجماعات الاجتماعية المختلفة مثل: الأسرة، المدرسة، النادي، الحزب السياسي. ويتكون أيضا من الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها أفراد المجتمع مثل: دور المدرس، دور الأب، دور العامل، ويتكون من شبكة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي تربط بين أفراد المجتمع وجماعاته الاجتماعية؛ وقد ترتب على ذلك أن تعددت ميادين الدراسة في علم الاجتماع.

فوجدنا علم الاجتماع وقد تشعب وانقسم إلى فروع عديدة، ليدرس كل فرع منها ويختص بتحليل جانب معين من جوانب البناء الاجتماعي بحيث يغطي كل مكوناته وعناصره الرئيسية.

فنجد مثلاً فرع من فروع علم الاجتماع يهتم بدراسة الأسرة ويسمى علم الاجتماع الأسري، وفرع أخر يهتم بدراسة النظام السياسي وهو علم الاجتماع السياسي، وفرع ثالث يركز على تحليل النظم الاقتصادية وهو علم الاجتماع الاقتصادي، وهكذا.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه في العصر الحديث، تأثر علم الاجتماع كغيره من العلوم بظاهرة التخصص المتزايد والدقيق، وهي الظاهرة التي انتشرت مع تقدم البحث العلمي ومع التقدم التكنولوجي داخل كل العلوم الطبيعية والاجتماعية، على حد سواء.

ومن ثم وجدنا علم الاجتماع الآن يزداد تشعبا وتعددا في مجالات الدراسة داخل الفرع الواحد من الفروع التقليدية لعلم الاجتماع.

فداخل علم الاجتماع السياسي – على سبيل المثال – أصبح هناك علم اجتماع الأزمة وهو العلم الذي يركز على دراسة الأزمات والكوارث، كذلك هناك فرع دقيق داخل علم الاجتماع السياسي يهتم بدراسة منظمات المجتمع المدني، هناك أيضا علم اجتماع الشباب. 

هذا إضافة إلى فروع أخرى عديدة ذات تخصصات دقيقة، فهناك علم اجتماع الفن، وعلم اجتماع الإدارة، وعلم الاجتماع الرياضي، وعلم اجتماع المرأة، ولا ينتظر لهذا العلم أن تتوقف ميادينه عند الحد الذى وصلت إليه؛ بل إن حتمية تزايده مساوية لحتمية تزايد المشكلات الإنسانية التى تتزايد في كل الظروف المجتمعية سلبية كانت أم إيجابية‘ فازدهار المجتمعات له ظواهره الاجتماعية، تماما كأزماتها لها أيضا ظواهرها الاجتماعية، وهذ وذاك يحتاج إلى دراسات تفسره وتأول وتستخلص منه نظريات وقواعد تساعد الإنسان على فهم مجتمعة وترافق تطوره في كل خطواته.


الهوامش

[1] - د/مهدى محمد القصاص - مدخل لعلم الاجتماع - مكتبة مشالى -2010
[2] - عبدالله العبد النبالى دار الخليج للنشر والتوزيع - ط1-2019
[3] - مدخل إلى علم الاجتماع - د/ نجلاء عبد الحميد راتب - جامعة بنها - كود 511
[4] - أنتونى جدنر - ترجمة وتقديم -فايز الصباغ - مركز دراسات الوحدة العربية - ط 4 - 2001
[5] - د/ سونيا قزامل - عالم الكتب -2013
[6] - علم الاجتماع عبدالله العبد النبالى - دار الخليج 2020
[7] - مقدمة ابن خلدون - الجزء الثانى - تقديم عبد الله محمد الدرويش- دار البلخى - دمشق -2004- ط1
[8] - محمد الجوهري، المدخل إلى علم الاجتماع، سلسلة علم الاجتماع المعاصر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية
[9] - جيمس برستيد - فجر الضمير - ترجمة سليم حسن - الهيئة العام المصرية للكتاب
[10] - مدخل إلى علم الاجتماع - د/ نجلاء عبد الحميد راتب - مرجع سابق
[11] - المرجع السابق
[12] - محمد عاطف غيث: علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1988
[13] - محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي من طاليس إلى أفلاطون، دار المعرفة الجامعية، ط5/ 1973
[14] - د/ التطور التاريخى لعلم الاجتماع- د/ غنى ناصر القرشى- مرجع سابق
[15] - مقدمة ابن خلدون - تحقيق عبدالله محمد الدرويش - مرجع سابق
[16] - مقدمة بن خلدون
[17] - https://ejtema3e.com/the-pioneers-of-social-thought/10-2013-07-27-21-43-54.html
[18] - الأصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع عند ابن رشد أحلام حميد الطانى - رسالة دكتوراه - الجزائر
[19] - مدخل إلى علم الاجتماع - د/ نجلاء عبد الحميد راتب
[20] - المرجع السابق
21] - بنها مرجع سابق
[22] - المرجع سابق
[23] - عاطف غيث، علم الاجتماع، ( 1988 )،
[24] - محمد عاطف غیث، 1986
[25] -http://alrai.com/article/10481411
[26] - نصيرة، مدخل إلى علم الاجتماع، محاضرات - كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- جامعة محمد الصديق


المراجع :
1- د/مهدى محمد القصاص - مدخل لعلم الاجتماع - مكتبة مشالى -2010
2- عبدالله العبد النبالى دار الخليج للنشر والتوزيع - ط1-2020
3- مدخل إلى علم الاجتماع - د/ نجلاء عبد الحميد راتب - جامعة بنها - كود 51
4- أنتونى جدنر - ترجمة وتقديم -فايز الصباغ - مركز دراسات الوحدة العربية - ط 4 - 2001
5- د/ سونيا قزامل - عالم الكتب -2013
6- مقدمة ابن خلدون - الجزء الثانى - تقديم عبد الله محمد الدرويش- دار البلخى - دمشق -2004- ط1
7- التطور التاريخى لعلم الاجتماع - د/ غنى ناصر القرشى- جامعة بابل
http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges
8- محمد الجوهري، المدخل إلى علم الاجتماع، سلسلة علم الاجتماع المعاصر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية
9- جيمس برستيد - فجر الضمير - ترجمة سليم حسن - الهيئة العام المصرية للكتاب
10- محمد عاطف غيث، علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1988
11- محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي من طاليس إلى أفلاطون، دار المعرفة الجامعية، ط5/ 1973
12- د/ التطور التاريخى لعلم الاجتماع- د/ غنى ناصر القرشى- مرجع سابق
13- مقدمة ابن خلدون - تحقيق عبدالله محمد الدرويش - مرجع سابق
14- الأصول الفلسفية العربية لعلم الاجتماع عند ابن رشد أحلام حميد الطانى - رسالة دكتوراة -الجزائر https://www.politics-dz.com

ظاهرة الفقر .. مصر نموذجا

ديسمبر 31, 2020

ربما لن نختلف كثيرا حول اعتبار الفقر أحد أبرز الظواهر المعقدة، التى تواجهها المجتمعات كافة - على اختلاف وتباين ظروفها الاقتصادية -  وربما زللنا منطقا إذا ما استثنينا مجتمعا ما أو نزهناه عن تلك الظاهرة، فالفقر  ظاهرة لم يسقطها التاريخ فى أيٍ من أزمنته الغابره؛  وإنما يختلف الفقر فى مفهومه وتأثيره باختلاف البلدان والثقافات والأزمنة، ومن حيث وجهة تناوله، فإذا كان علماء الاجتماع، قد تناولوا الفقر من خلال التركيز على الأبعاد الاجتماعية؛ فإن علماء الاقتصاد قد تناولوه من خلال المعايير الكمية وارتباطها بعملية التنمية ومعدلاتها، فكما أن الفقر نتيجة لضعف معدلات النمو الاقتصادى؛ فإنه أيضا سببٌ في تعطيل هذا النمو، وعلى الرغم من أنه لا يوجد مقياس واحد للفقر .. إلا أن مختلف التعاريف قد دارت حول محورین أساسين، أولهما اقتصر على مجرد إشباع الحاجات الضروریة للإنسان والتى من شأنها أن تبقيه على قید الحیاة، ومنه مقياس الفقر المطلق الذى یعبر عنه تقریر التنمیة الدولیة بوصفه الحالة التي یستطیع معها الناس مجرد البقاء، والبقاء فقط ، حیث تكون وجبة الطعام القادمة مسألة حیاة أو موت، في حین تخطى المحور الثاني مجرد متطلبات البقاء على قيد الحياة لیشمل أشیاءً أخرى، انطلاقا من أن الإنسان لیس مجرد كائن بیولوجي، بل هو أیضا كائن اجتماعي یؤثر و یتأثر بما حوله، ويكمن الفرق بين المحورين في اعتبار أولهما الحاجة البيولوجية أساسًا للقياس، بينما يعتبر الثانى أن الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجى؛ وإنما له احتياجات أخرى لا تقل أهمية عن حاجاته البيولوجية، غير أنه من الممكن الاتفاق على أن الفقر هو ببساطة، عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب والمرغوب فيه اجتماعياً ومعنويا..

وعليه فإن للفقر خصائص وأسبابًا، فمن خصائصه، الفقر التعليمي، حيث أثبتت الدراسات أن 61% من الأسر الفقيرة يعولها أمّى[1]، كما أن عدم تنوع مصادر الدخل من خصائص الفقراء في مصر أيضا، حيث ثبت أن 42,9% من الدخل يعتمد على الأجور[2]، وكذلك طبيعة النشاط الاقتصادى إذ يتركز الفقر في مناطق النشاط الزراعى؛ حيث يتركز 80% من السكان فيتسع معدل الفقر في هذا القطاع لأكثر من الثلث[3] ، وفى دراسات أخرى كانت قلة التنمية هى السبب الأول إذ يصل الفقر في بعض قرى الصعيد إلى 80% و 100% احيانا[4]، وهو ما التفتت إليه الحكومة المصرية فى الآونة الأخيرة، وللفقر أسباب عديدة، خارجية وداخلية، فالخارجية مثل الحروب والصراعات والكوارث، والداخلية مثل الزيادة السكانية، وارتفاع نسبتى الإعالة والبطالة، والأمية، والخصوبة إضافة إلى أسباب أخرى.

وكثيرة هى الدراسات التى تناولت قضية الفقر في مصر من حيث طبيعة المشكلة، وتطورها و من حيث خصائص الفقراء وتوزيعهم الجغرافي، وسياسات مكافحة الفقر. والسياسات الحكومية المؤثرة في الظاهرة. وفى هذا البحث نتناول  المشكلة من حيث الأسباب المسئولة عنها "أسباب الفقر في المجتمع المصرى"

ويأتى هذا البحث على محورين:

1- المفاهيم والمصطلحات 

2- أسباب الفقر في المجتمع المصرى

المحور الأول

المفاهيم والمصطلحات

مفهوم الفقر لغة واصطلاحا:

الفقر في اللغة: الفَقْرُ: العَوَز والحاجة، والفَقِيرُ من الناس: من لا يملك إِلاَّ أقل القُوت.[5]

الفقر اصطلاحا: هو حالة من الحرمان المادي التي تتجلى مظاهره في انخفاض استهلاك الغذاء، وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني وفقدان الاحتياطي أو الضمان، لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات [6][7].

والفقر في مفهومه العام، هو عدم مقدرة الشخص على توفير الدخل اللازم لتلبية الحاجات الأساسية (الغذاء، المأوى، الملبس، التعليم، الصحة، والنقل)، التي تمكنه من أداء عمله بصورة مقبولة .

وقد اعتبر البنك الدولي أن الدول التي يقل معدل دخل الفرد السنوي فيها عن 600 دولار أميركي، دولاً فقيرة، ثم خفض هذه القيمة إلى 400 دولار أو ما يوازيها من العملات الأخرى العام 1992[8]

** مدارس قياس الفقر[10] ، [11]،[12]:

 1- المدرسة المطلقة: وتضع حداً أدنى لمستوى الدخل الضروري الذي يجب على كل فرد احرازه لتحقيق مستوى معيشي معقول (حد الفقر) ويصف كل من يقع دون ذلك بالفقير، وفى وصف نادية حسن (الفقر وقياسه 2004) أن هناك مقاييس مطلقة للفقر لا توجد عليها اعتراضات، فمن المقبول بصفة عامة أن الفقراء في المجتمع هم أولئك الأفراد غير القادرين على اكتساب ضروريات الحياة، و الفقر من خلال هذا المنظور هو حالة اقتصادية اجتماعية يكون فيها الأفراد غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية.

2. المدرسة النسبية: يعني أن الفقر سياقي وعرضة للمعايير المتغيرة بتغير المواقف فالفقر ليس هو في كل مكان، وليس هو نفسه في أي مجتمع من فترة تاريخية لأخرى. هكذا لا يمكننا أن نفرض المعايير الماضية على الأوقات الحالية [9]. وفى تعريف آخر: أن المدرسة النسبية تتعامل مع الفقر النسبي والذي يربط خط الفقر بمعدل توزيع الدخل بين السكان، حيث يكون الـ 20 -25% من سكان المجتمع الأقل دخلا هم الفقراء.

** وهناك طرق أخرى أكثر تعقيداً لقياس الفقر تستخدم سلسلة كاملة من المؤشرات الاجتماعية والمعيشية والصحية، مثل: الغذاء ، التعليم ، الصحة، المسكن ، توفر مياه الشرب ، وتوفر المرافق الصحية في المجتمع.

منظومة مؤشرات الفقر: وقد صنفها (أوزال عبد القادر) في ستة مؤشرات:

1- الفقر المطلق: يعرف بأنه الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله، الوصول إلى الحاجات الأساسية المتمثلة بالغذاء والمسكن والملبس والتعليم والصحة والنقل.

2- الفقر المدقع: يعرف بأنه الحالة التي لا يستطيع فيها الإنسان عبر التصرف بدخله، الوصول إلى إشباع الحاجة الغذائية المتمثلة بعدد معين من السعرات الحرارية التي تمكنه من مواصلة حياته عند حدود معينة.

وقد تم التمييز بين نوعين من خطوط الفقر:

حد الفقر المطلق: يعرف بأنه إجمالي تكلفة السلع المطلوبة لسد هذه الاحتياجات سواء للفرد أو للأسرة، وفق نمط الحياة القائمة في المجتمع المعني وبحدوده الدنيا.

خط الفقر المدقع: ويمثل كلفة تغطية الحاجات الغذائية سواء للفرد أو الأسرة، وفق النمط الغذائي السائد في المجتمع المعني وبحدود معينة.

وقد وضع البنك الدولي رقمين قياسيين يستندان إلى الحد الأدنى من الاستهلاك، ومستوى المعيشة، لقياس الفقر على المستوى العالمي بصورة عامة، والدول النامية بصورة خاصة على أساس أسعار الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1985، فالحد الأدنى للدخل هو 275 دولار للفرد سنوياً، وهو ما أسماه البنك بالفقر المدقع، والحد الأعلى للدخل هو 370 دولار للفرد سنوياً، وهو ما أسماه البنك بالفقر المطلق.

3- نسبة الفقر: تعرف بأنها نسبة السكان تحت خط الفقر إلى إجمالي السكان، وهذه النسبة تقيس الأهمية النسبية للفقراء سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى الأسر.

4- فجوة الفقر: يقيس هذا المؤشر حجم الفجوة الإجمالية الموجودة بين دخول الفقراء وخط الفقر أو مقدار الدخل اللازم للخروج من حالة الفقر إلى مستوى خط الفقر المحدد.

5-  شدة الفقر: يقيس هذا المؤشر التفاوت الموجود بين الفقراء، ويمكن حسابه باعتباره يساوي الوسط الحسابي لمجموع مربعات فجوات الفقر النسبية للفقراء كافة.

6- معامل جيني: يستخدم هذا المعامل كمؤشر لقياس التفاوت في توزيع الدخول ما بين جميع السكان فقراء وغير فقراء. [10]

المحور الثانى

أسباب الفقر في مصر وتشابك علاقاته 

مازالت مشكلة الفقر تشكل إحدى التحديات الأساسية التي تواجه مصر، إذ تمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، كما يشكل الفقر والحرمان خطرًا على السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي والأمني.

وبالرغم من تبنى الحكومات المتعاقبة لقضية تخفيض معدلات الفقر والحد من آثاره، والتأكيد الدائم على استهداف الفقراء والفئات المهمشة، والعمل على تحسين مستوى معيشتهم، إلا أن كثيرًا من هذه الجهود لم تؤت ثمارها، ولم تنجح معدلات النمو الاقتصادي في تخفيض معدلات الفقر، لأن النمو لم يرتبط بالتوزيع العادل لثماره. كما واكب النمو الاقتصادي نموًا في التوظيف لكنه لم يكن كافيًا لاستيعاب البطالة، كما كانت معظم الوظائف في القطاع غير الرسمي، ونتيجة لذلك تفاقمت مشكلة البطالة، لذلك ازدادت معدلات الفقر تباعًا

إلى جانب ذلك لم يتم إطلاق منظومة متكاملة للحد من الفقر، ولم تساعد البرامج الحكومية التي تهدف إلى الوفاء بالحد الأدنى من الحماية الاجتماعية في التخفيف من حدة الفقر، حيث كانت تعاني من إهدار الموارد المادية نتيجة لعدم الكفاءة، بالإضافة لعدم دقة الاستهداف، وتسرب المزايا إلى غير الفقراء. [11]

وتشير التقديرات وفقًا لبيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك عن مستوى الفقر في مصر عام 2015 ، إلى أن نسبة السكان تحت خط الفقر بلغت 27,8% وهو ما يعني وجود نحو 25.4 مليون فقير لا يمكنه الحصول على احتياجاته الأساسية ويرصد الجدول التالي :

وأصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تقريره عن بحوث الدخل والإنفاق، الذي يصدر كل عامين، معلنًا ارتفاع نسبة الفقراء إلى 32.5% في عام 2017/2018 مقارنة بـ 27.8% في البحث الصادر عام 2015، كما  قد أصدر البنك الدولي بيانا فى شهر مايو 2019، قال فيه إن نحو 60 % من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

 كما كشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك  للأسر المصرية  التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفاض نسبة الفقر المدقع  بإجمالي الجمهورية في عام 2019/ 2020 إلي نحو 4.5% مقابل 6.2% في عام2017/ 2018. وأن نسبة الفقر المدقع انخفضت في عام 2019-2020 عن  عامي 2017/ 2018 وكذلك  عن نسبتها فى 2015.**

وتتشابه خصائص الفقر وأسبابه في أمور تجمع بينهما كخصائص ومسببات في نفس الوقت ومنها:  الأمية أو نقص التعليم، نقص الخدمات الصحية، اللامبالاة وغياب الإنتاجية، وفيما يلى نعرض لبعض خصائص الفقر:

- الحالة التعليمية: يتوزع الفقر وفقًا للحالة التعليمية على النحو التالي ( النسبة من الإجمالى):- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة أعلى من الجامعية عام 2015 ، نحو 3 % - بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة جامعية عام 2015 ، نحو 7 %

- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة فوق المتوسط عام 2015 ، نحو 12 %

- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة ثانوي فني عام 2015 ، نحو 22 %

- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة ثانوية عامة عام 2015 ، نحو 16 %

- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة إعدادية/ابتدائية عام 2015 ، نحو 30 %

- بلغت نسبة الفقراء من الحاصلين على شهادة محو أمية عام 2015 ، نحو 36 %

- بلغت نسبة الفقراء الأميين عام 2015 ، نحو 40 % من الإجمالي

ومن خلال المؤشرات السابقة يتضح أن العلاقة قوية بين ارتفاع مستوى التعليم، وبين انخفاض معدلات الفقر، حيث إن التعليم المنخفض أكثر ارتباطًا بمخاطر الفقر في مصر، حيث تتناقص مؤشرات الفقر كلما ارتفع مستوى التعليم، فنجد أن 40 % من الأميين فقراء، مقابل 7% من الجامعيين، 12 % لحاملي الشهادة فوق المتوسطة، 22% لحاملي الشهادة الثانوية الفنية.

ولا يؤدي التعليم المتدني إلى زيادة احتمالات الفقر فقط ولكنه يسهم أيضًا في توارثه عبر الأجيال، حيث يرفع التعليم ذو الجودة المنخفضة احتمالات تسرب أبناء الطبقة الفقيرة من التعليم، ليلتحقوا مبكرًا بسوق العمل دون اكتساب المهارات الكافية للحصول على عمل بأجر مرتفع ومخاطر أقل، وبالتالي يلتحقون بأعمال هامشية لا تدر دخلا كافيًا، وإذا تمكنوا من تكوين أسرة لا يستطيعون تأمين احتياجاتها الأساسية ليستمر توريث الفقر عبر الأجيال. [12]

التفكك الأسري وزيادة الطلاق: لقد أثبتت كثير من الدراسات أهمية العوامل الاقتصادية في الحياة الاجتماعية للأفراد حيث أن انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة يمكن أن تنعكس آثاره على كثير من الجوانب المعيشية الأخرى كالتعليم، الصحة... الخ، ويمكن أن يمتد هذا التأثير إلى مستوى عمليات التفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة... فقد يكون فقدان القدرة على المكسب مثلا من العوامل التي تخلق التوترات في العلاقات الأسرية وأيضاً في المكانة الاجتماعية التي تحتلها الأسرة ككل والمكانة الاجتماعية التي يحتلها المسئول الأول في الأسرة على توفير الدخل، فغالباً ما يكون الدخل الذي يحصل عليه الزوج جزءاً من الصورة التي تحملها الزوجة عن زوجها، وانعدام القدرة على التكسب نتيجة المرض أو البطالة يحجب جزءاً من هذه الصورة ويهز ملامحها ويضعف الحب بين الزوجين وقد أظهرت كثير من الدراسات أن الأزمات الاقتصادية العنيفة وبطالة الزوج تؤدي في كثير من الحالات إلى زيادة في مشكلات الأسرة... والواقع أن فقدان الزوج لمنصب شغل يمكن أن يحدث انعكاساً على مستوى العلاقة بين الزوجين يمكن أن تصل على حد الطلاق [13]

تدني المستوى الصحي: يرتبط المرض وبصفة خاصة أنواع منه بحالة الفقر التي تكون عليها الأسرة والمجتمع وذلك لقلة الموارد من جهة ولضعف الوعي من جهة أخرى ولقصور التغذية من جهة ثالثة، أو لما ينشأ عنها من ظروف ويتصل بها من ملابسات تؤدي كلها إلى انعدام الصحة وقائياً أو علاجياً... وسوء التغذية ونقص السعرات الحرارية والفيتامينات واعتلال الصحة بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي وأمراض الجهاز الهضمي والتي أثبتت العديد من التقارير الصحية والتنموية العالمية صلتها الوثيقة بالفقر، كما أن التفاعلات بين البيئة والصحة والفقر تفاعلات ذات دلالات واضحة فالتلوث البيئي (قذارة المياه والهواء) يعتبر مساهماً رئيسياً في الإصابة بالإسهال وأمراض الجهاز المعوي وأمراض الجهاز التنفسي وهي أكبر أسباب الوفاة شيوعاً للنساء والأطفال الفقراء حسب ما جاء في كثير من تقارير الأمم المتحدة ووكالاتها المخصصة منذ عام (1990م- 2003م)

أسباب أخرى للفقر في مصر

زيادة حجم الأسرة: حيث تشير المؤشرات الأخيرة إلى زيادة نسبة الفقراء مع زيادة حجم الأسرة، على النحو التالي عام 2015 [14]:

- بلغت نسبة الفقراء 6 % فقط في الأسر التي بها أقل من 4 أفراد

- بلغت نسبة الفقراء 20 % في الأسر التي بها 5 أفراد

- بلغت نسبة الفقراء 44 % في الأسر التي بها 7 أفراد

- بلغت نسبة الفقراء 65 % في الأسر التي بها 9 أفراد

- بلغت نسبة الفقراء 75 % في الأسر التي بها أكثر من 10 أفراد 

وهنا يجب الربط بين انخفاض مستوى التعليم  وحجم الأسرة، فكلما زاد عدد أفراد الأسرة، زادت نسب التسرب من التعليم، وبالتالي زادت معدلات الفقر في المجتمع المصري.

نوع النشاط الاقتصادى: حيث أثبتت  الدراسات أن هناك ارتباط وثيق بين الاستقرار في العمل والحالة المادية، إذ أن 37.6% من الفقراء المشتغلين يعملون عمل غير دائم، مقابل 62.4% يعملون عمل دائم. [15]

وتصل النسبة إلى 19.5% بين غير الفقراء الذين لا يعملون عمل دائم، بينما 80.5% من غير الفقراء المشتغلين يعملون عمل دائم

طبيعة المجتمع وخلفيته الحضارية: و المتمثلة فى عراقته الحضارية وقدرته على تنظيم أعماله وإدارة ثرواته  [16]

وربما ما اعترضه من تحديات تاريخية كالحقب الاستعمارية، كفترة الاحتلال العثمانى لمصر، على سبيل المثال [17]

تدنى الأجور: حيث إن انعدام الدخل أو انخفاضهُ يعتبر أحدّ مسببات الفقر،[18] فبالرغم من أنّ البطالة والفقر مشكلتين مترابطتين إلّا أنّ البنك الدولي نفى أن تكون البطالة هي السبب الأساسي للفقر، بل أن وصول الفرد إلى حالة الفقر قد يكون بسبب انخفاض الأجر وما يترتب عليه من تبعات، حيث أشار البنك الدولي في دارسة له في إحدى الدول العربية إلى أنّ 6% فقط من مجموع الفقراء فيها همّ من المتعطلين عن العمل [19]

ويعتبر كل ما سبق من الأسباب الداخلية المتعلقة بالفرد والمجتمع، ومن الأسباب الخارجية:

الكوارث والحروب والصراعات الدولية: أثبتت كل التجارب الإنسانية أن للكوارث والحروب والصراعات الدولية آثارا مدمرة فى النواحى الحياتية للشعوب من خلال ما يترتب عليها من تهجير ولاجئين ومخيمات وفقدان للعمل والممتلكات والاستقرار، وكلها من الأسباب القوية للفقر إذ إنها تحرم الشعوب من فرص التنمية والتطوير .

هذا بالإضافة إلى العديد من الأسباب الأخرى مثل:

انخفاض معدل النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم الاقتصادي خلال فترة الأزمات، ارتفاع معدل النمو السكاني، ارتفاع الفجوة الاقتصادية بين أفراد المجتمع الواحد في مستوى الدخل، التعرُض للحالات المفاجأة مثل الأزمات اقتصادية، أو الكوارث الطبيعية، أو الفقر البيئي.

وهناك أسباب أخرى تتعلق بأنواع محددة من الفقر مثل:

- الفقر الدورى: ولا ينطبق هذا النوع على المجتمع المصرى بأكمله بل يكون بين فئة من السكان تتعثر - أو تتوقف - أعمالهم بشكل موسمى (خلال فترة زمنية محدودة)، حيثُ ينتج عن ذلك انخفاض موسمى في القدرة على توفير الحاجات الأساسية لحياتهم؛ نتيجة لهذا التعثر أو التوقف .

ومما سبق نلاحظ أن:

- كما أنه هناك تشابه بين بعض خصائص الفقر ومسبباته؛ فإن هناك علاقة ارتباط بين الأسباب والنتائج المترتبة عليها ..

-  فكما أن بعض المشكلات الاقتصادية  تتسبب الفقر؛ فإن الفقر يسبب بعض المشكلات الاقتصادية ويصبح كلاهما سببا فى الآخر.

- نقص التعليم قد يكون بسبب الفقر وسببا له فى نفس الوقت .

- سوء الأحوال الصحية: قد يكون بسبب الفقر وقد يكون نتيجة له.

وهو ما يؤكد على أن الفقر مشكلة متعددة الأبعاد، تدور فى دائرة من العلاقات المتشابكة والمعقدة فى كل المجتمعات وليس فى المجتمع المرى فقط، وأن هناك عوامل وأسباب مشتركة بين المجتمعات، وأن هناك عوامل أخرى لها خصوصيتها المجتمعية أو الأسرية أو الفردية .

نتائج البحث:

مما سبق نخلص إلى النتائج الآتية:

- الفقر: عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب والمرغوب فيه اجتماعياً ومعنويا..

- أن هناك مدارس لقياس الفقر تعتمد القياس الكمى وأخرى تعتمد القياس النوعى

- قد تتشابه بعض خصائص الفقر ومسبباته

- أنه إذا كانت بعض المشكلات الاقتصادية تتسبب الفقر؛ فإن الفقر يسبب بعض المشكلات الاقتصادية ويصبح كلاهما سببا فى الآخر.

- أن نقص التعليم قد يكون بسبب الفقر وسببا له فى نفس الوقت.

- أن سوء الأحوال الصحية: قد يكون بسبب الفقر وقد يكون نتيجة له.

- أن الفقر مشكلة متعددة الأبعاد، تدور فى دائرة من العلاقات المتشابكة والمعقدة فى كل المجتمعات وليس فى المجتمع المرى فقط، وأن هناك عوامل وأسباب مشتركة بين المجتمعات، وأن هناك عوامل أخرى لها خصوصيتها المجتمعية.

- أن أسباب الفقر فى المجتمع المصرى متعددة ومنها:

- عجز البرامج الحكومية عن تحقيق التنمية المستهدفة التى تواكب الزيادة السكانية

- زيادة حجم الأسرة

- البطالة وارتفاع نسبة الإعالة

-  نقص التعليم  والخدمات الصحية

- طبيعة ونوع النشاط الاقتصادى

المراجع:

- المعجم الوسيط

- تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ( خصائص الفقراء فى مصر 2011)

- تقرير الجهاز المركزة للتنمية والاحصاء 2015

- تقرير التنمية البشرية مصر، 2016 - الجهاز المركزى  للتنمية والاحصاء

- تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2016 - مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

  - محاضرات د/ نسرين هنداوى

- الفقـر أسبابه و آثاره ، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، العدد 36

- السياسات الاقتصادية الكلية ودورها في الحد من الفقر"، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، العدد 1، المجلد 25-  صابر بلول (2009)

- معضلة الفقر: آثارها ومظاهرها، سامية، قطوش، جامعة الجزائر

- أوزال عبد القادر، ملاحظات حول الفقر في العالم  - كلية الاقتصاد(جامعة البليدة) -  بدون سنة نشر - نادية جبر عبدالله حسن الفقر وقياسه - ط 1 - دار فرحة للنشر والتوزيع 2004

- دائرة الإحصاءات العامة الأردنية

  - د/ عبدالهادي يموت، عميد سابق لكلية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال الجامعة اللبنانية - مجلة الدفاع الوطنى اللبنانى - العدد 64

  - مركز المعلومات الوطنى الفلسطينى 

- http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3217

- البنك الدولى ، مشروع تنمية المناطق الريفية 2014

- الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء 2017- 2018

الهوامش:

[1] - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، - خصائص الفقراء في مصر- سبتمبر 2011

[2] - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، - خصائص الفقراء في مصر- سبتمبر 2011

[3] - البنك الدولى - مشروع تنمية المناطق الريفية - اغسطس 2014 - ص 4

[4] - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقرير 2017- 2018

[5] - نسرين هنداوى

[6] - المعجم الوسيط 

[7] - دائرة الإحصاءات العامة الأردنية

[8] - د/ عبدالهادي يموت ، عميد سابق لكلية العلوم الاقتصادية وإدارة الاعمال الجامعة اللبنانية - مجلة الدفاع الوطنى اللبنانى - العدد 64

[9] - مركز المعلومات الوطنى الفلسطينى  - http://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3217

 [10] - نادية جبر عبدالله حسن الفقر وقياسه - ط 1 - دار فرحة للنشر والتوزيع 2004

 [11] - المرجع السابق (نادية حسن 2004)

** - جريدة المال -2020/12/3

[12] - أوزال عبد القادر، ملاحظات حول الفقر في العالم  - كلية لاقتصاد(جامعة البليدة) -  بدون سنة نشر .

 [13] - تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2016 - مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

[14] - الجهاز المركزة للتنمية والاحصاء 2015، تقرير الاتجاهات الاقتصادية  الاستراتيجية  - مركز الأهرام للدراسات 2016

[15] - سامية، قطوش: معضلة الفقر: آثارها ومظاهرها، جامعة الجزائر

[16] - تقرير التنمية البشرية مصر، 2016 - الجهاز المركزى  للتنمية والاحصاء.

[17] - تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2016 - مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

[18] - "الفقـر أسبابه و آثاره ، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، العدد 36

[19] - صابر بلول (2009)، "السياسات الاقتصادية الكلية ودورها في الحد من الفقر"، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، العدد 1، المجلد 25