لـ "إن" من حيث حركة همزتها ثلاثة أحوال: وجوب الكسر، وجوب الفتح، جواز الكسر والفتح.. فالمواضع التي تُفتح فيها الهمزة تختلف اختلافا كليًا عن تلك التي تُكْسَر فيها؛ إذ يأتى ما بعد المكسورة كلامًا تامًا لفظًا ومعنًى، مُحَقِّقًا لمضمون الجملة‘ بينما يأتى ما بعد المفتوحة مفرد معنى، ولذلك تتعين المكسورة حيث لا يجوز أن يَسِدَّ (المصدر) محل (إن ومعموليها) .." أى أن الكلام بعد إن المكسورة كلامٌ تامُ المعنى، مثل:
{إنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنين} فالجملة بعد إنَّ هى جملة تامة تتكون من مبتدأ هو (الله) وخبر هو (يحب المحسنين). أما ما بعد أنَّ المفتوحة، فليس بجملة تامة، مثل:
يسعدنى أنَّك نجحت، إذ لا يمكن تجاهل (أنَّ) فى هذه الجملة مع استمرار تمام المعنى، كما فى الجملة السابقة؛ فلن نستطيع القول: (ك) نجحت، ولكى نتمكن من ذلك لابد لنا من الإتيان بالمصدر المؤول، المسبوك من أنَّ ومعموليها، وهما هنا الضمير (ك) والفعل نجحت. وبديلًا عن القول (يسعدنى أنك نجحت) سوف نقول: (يسعدنى نجاحك).
ولهمزة (إنَّ) المكسورة مواضع مشهورة منها:
1- إذا وقعت في بداية الكلام حقيقة:
مثل قوله تعالى: {إَّنا أعطيناك الكوثر}، وقوله: {إنَّا أنزلناه فى ليلة القدر}.
2- أن تكون واقعة فى بداية الكلام حكما:
كأن تقع بعدَ حرف تنبيه، كـ (ألا)، أوِ استفتاحٍ، كـ (ألا وأمَا)، أو رَدْعٍ، كَـ (كَلاَّ)، أو جوابٍ، كـ (نَعْم ولا)، فهي مكسورةُ، إذ هى هنا في حكم الواقعة في الابتداء.
ومثالها بعد حروف التنبيه كما في قوله تعالى:
{ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون4}.
وكقوله (عليه الصلاة والسلام):
" أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي"
ومثال وقوعها بعد أحرف الجواب (كلا – بلى – نعم – لا – أجل)، مثل:
{كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى}، ومثل:{بلى إنَّ الله عليم بما كنتم تعملون}.
ونحو: نعم إنَّ زيدَا قائمٌ، وكقول الشاعر: أجل إنَّ ذا يوم لمن يفتدى مصرا.
وقد اعتبرت همزة إنَّ مكسورة بعد هذه الأحرف لأنها في حكم الواقعة في بداية الكلام.
3- أن تقع في ابتداء جملة "إنَّ" الواقعة بعد النداء:
كقوله تعالى:
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الغرور}.
4- أن تقع فى صدر جملة الصلة (أى دون أن يسبقها من هذه الجملة شىء):
وذلك سواء وقعت تالية لموصول اسمي؛ أو موصول حرفي، مثل قوله تعالى:
{وآتيناه من الكنوز ما إنَّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولِي الْقُوَّةِ}.
ونحو حضر الذين إنَّهم زينةُ الدارِ. وعلى خلاف ذلك، (أنَّ) الواقعة في حشو الصلة، نحو:
جاء الذي عندي أنه فاضل، فقد فُتِحَتْ لأنَّها لم تتصدر جملة الصلة، بل سبقها (عندى).
5- جملة جواب القسم:
مثل{والعصر‘ إنَّ الإنسان لفى خُسر}، ونحو والله، إنَّ كلمةً طيبةً لأثمرُ مِن فعلٍ خبيثٍ.
ونحو: والله إنّ زيداً لآتٍ.
6- الجملة الاستئنافية:
{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}
وكذلك فى القول: التواضعُ مِن أسمى الأخلاقِ، إنَّه تاجُ المبدعينَ، وزينةُ المؤمنينَ.
فالجواب إنَّه تاج المبدعين؛ إجابة عن سؤال تقديرى (لماذا التواضع من أسمى الأخلاق؟)
-7- في الجملة المُؤكِّدة لأخرى بالتكرار:
مثل (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). ونحو: إنَّ الصبرَ جميلٌ، إنَّ الصبرَ جميلٌ.
8- الجملة المعطوفة على جملة ابتدائية :
مثل:{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ(46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} (47).
ومثل: {وإنَّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإنَّ منها لما يهبط من خشية الله}.
ونحو: إنَّ الحُبَّ لسرٌّ من أسرارِ الكونِ، وإنَّه لمفتاحٌ للقلوبِ.
9- جملة القول:
إذا وقعت بعد فعل القول (محكية بالقول) نحو:
{قال إنِّي عبد الله} - {قَالَ فإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ} - {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} - {يَقُولُ إِنَّكَ لَمِنَ المُصَّدِّقِينَ..}
والشرط هنا كما كرنا، أن تكون محكية بالقول: (فإنِّ وقعت بعد القول غير محكية فُتِحَتْ نحو:" أخُصّك بالقول أنَّك صادق"
وقد خُصّ فعل القول دون الأفعال الأخرى بأن همزة(إنَّ) تكسر بعده؛ كون الجملة بعد فعل القول تكون كجملة الابتداء .
* ملاحظة:
لا يصح وقوع المفرد محكيًّا بعد القول، لأنّه لا يمثل كلامًا مفيدًا
10- أن تقع حالًا؛ أى تقع في صدر جملة في موقع الحال، مثل:
قدِمتْ سلوى وإنَّها لفي أحسنِ حالٍ. ونحو:
{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإنَّ فريقا من المؤمنين لكارهون}
11- جملة الخبر لمبتدأ هو اسم عين (ذات):
مثل: "زيدٌ إنَّه فاضلٌ"
12- بعد (حيثُ) الظرفية التي تُلازم الإضافة إلى جملة:
" اجلسْ حيثُ إنَ الحكماءَ يجلسونَ". ونحو: "جلست حيث إن عليا جالس".
و نحو: اذهبْ حيثُ إنَّ الرِّزْقَ وفيرٌ .
13- بعد (إذ) :
مثال : "جئتك إذ إِنَّكَ طلبتنى". و لوجوب إضافة( إذ ) إلى الجمل لا إلى المفردات؛ فإنه يلزم كسر همزة إن؛لأنها لو أولت لأصبحت مضافة إلى مفرد وهذا لا يجوز معها لما ذكرناه من وجوب إضافتها إلى جملة..
نحو: احترمك إذ إنّ أباك ذو فضلِ
14- أن تقع بعد "حتى"
تقول: "قد قاله القوم حتى إن زيدا يقوله". وانطلق القوم حتى إن زيدا لمنطلق"
ومثل: صَامَ الرَّجُلُ عن الكلامِ، حتى إنَّه لم يتكلم أبدا.
15- أن تقع صفة :
نحو "نظرت إلى خالد إنه كبير".
16- في باب الحصر بالنفي وإلا:
بداية علينا أن نوضح كيف تكون إلا أداة حصر لا أداة استثناء فكيف نميز الاستثناء من الحصر؟
1- إذا كان المستثنى منه موجودا
كان الأسلوب أسلوب استثناء تام وبالتالي نقول عن (إلا): هي أداة استثناء.
2- وإذا لم يكن موجودا
كان الأسلوب أسلوب استثناء ناقص منفي وبالتالي نقول عن (إلا) أداة حصر؛ وهذا هو موضوعنا (ما قلناه عن (إلا) ينطبق على غير وسوى)
وتلك قاعدة نستطيع أن نفرق بها بين الاستثناء والحصر.
* *إذا كانت الجملة مثبتة نحذف (إلا) فإذا استقام المعنى فهو حصر وإذا لم يستقم المعنى فهو استثناء.
مثال1: (جاء الضيوف إلا محمد) بعد حذف (إلا) في المثال لا يصح أن نقول: جاء الضيوف محمد. وهنا نقول: الجملة وردت بأسلوب استثناء.
مثال2:(ما جاء الضيوف إلا محمد) بعد حذف حرف النفي و(إلا) في المثال لا يصح أن نقول: جاء الضيوف محمد. وهنا نقول: الجملة وردت بأسلوب استثناء.
مثال3:(ما جاء إلا محمد) بعد حذف (ما) و(إلا) في المثال3 يصح أن نقول: جاء محمد. وهنا نقول: الجملة وردت بأسلوب حصر.
فإذا نظرنا إلى همزة إنّ فى مثل هذا الموضع بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.
17- أن تقع بعد عامل عُلِّقَ بلام الابتداء التي يسمونها المزحلقة – بعد فعل من أفعال القلوب وقد عُلِّقَ عنها باللام:
نحو: {والله يعلم إنك لرسوله} (أي أن اللام في "لرسوله" سبب في كسر همزة إن لأن اللام المزحلقة لا تكون في خبر "إنَّ" مفتوحة الهمزة. وكقولك علمتُ إنَّه لَشاعرٌ. وعلى هذا أمثلة أخرى نحو :علمتُ إنّ زيدًا لقائمٌ
وقد أورد الرماني أربعة مواضع لكسر همزة إنّ؛ حيث قال:
(ولها أربعة مواضع: الابتداء، وبعد القول، وبعد أفعال الشَّكِ والعِلْمِ إذا كانت اللام في الخبر، وبعد القسم.)
* ملاحظة:
انفردتْ (إنَّ) دون غيرها بأن خبرها تلحقه (لام) التوكيد المفتوحة المُزحلقة نحو: (إنَّ الأبرارَ لفي نعيمٍ)، إنَّ الطلابَ لحاضرونَ، وإنَّهم لمنشغلونَ؛ لهذا فإنَّ دخول اللام في خبرها من أسباب كسر همزتها.
قال الزجاجي:(وأما كسر إنّ إذا دخلت اللام في خبرها في قولك: ظننت إنّ زيدًا لقائم، وعلمت إنّ أخاك لمنطلق ،فإنما كسرت ولم يجز فتحها؛ لأنّ المفتوحة مع ما تعمل فيه اسم بتأويل المصدر يحكم عليه بالرفع والنصب والخفض.)
وقال ساردا الحديث ومعللا وموضحا سبب كسر (إنّ) مع لام الابتداء:
(ولام الابتداء تمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها، فلم يجز لما قبل (إنّ) أن يعمل فيها واللام بينهما؛ لأن لام الابتداء حاجز يمنع ما قبله من التخطي إلى ما بعده، ألا ترى أنك تقول: علمتُ لزيدٌ منطلقٌ، وحلفت لأخوك قائمٌ، ولا يكون لـ (علمت) تسلط على ما بعد اللام، فكذلك كان الأصل في قولك :علمتُ إنّ زيدًا لقائمٌ، علمتُ أنّ زيدًا قائمٌ، فمنعت اللام الفعل أن يعمل في (إنّ)، فبقيت مكسورة على حالها، ثم أُخِّرتِ اللام إلى الخبر لفظًا، وهي في المعنى مقدرة في موضعها.)
و قال الرماني:( فإن وقعت قبلها أفعال الشك واليقين جاز إدخال اللام على خبرها وكسرها نحو قولك: ظننت إنّ زيدًا لقائم وعلمت إنّ أخاك لذاهبٌ.)
18- إذا وقعت بعد (ثمّ)، نحو: قمت ثم إنك تقعد.
وأورد الملقي مواضع يجب فيها كسر همزة (إِنّ)؛ حيث قال:
(تكسر همزة إنّ في ابتداء الكلام، نحو: إِنّ زيدًا منطلق؛ وبعد القسم، نحو: واللهِ إنّ زيدًا قائمٌ؛ وإذا كان في خبرها اللام، نحو: علمتُ إِنّ زيدًا لمنطلق؛ وإذا وقعت بعد القول المجرد من الظن وعمله، نحو: قال زيد إنّ عمرًا منطلقٌ، وإذا وقعت بعد (ألا) الاستفتاحية، نحو: ألا إنّ زيدًا منطلق؛ وإذا وقعت بعد (ثمّ)، نحو: قمت ثمّ إنك تقعد؛ وإذا وقعت بعد (حتّى)، نحو: قمت حتى إنك منطلق.)
تابع معنا .. مبادئ التدقيق اللغوى