الفرق بين المنطق التقليدى القديم والمنطق الرمزى الحديث

ديسمبر 21, 2020


طويلة هى الفترة التى عاشها الإنسان أسيرا للفكرة الأسطورية، والتى لم يتحرر منها إلا عندما عرف التفكير المنطقى، الذى أرسى سقراط قواعده؛ ليكون جسرا ينتقل به الإنسان من خرافات الخيال الأسطورى الغامض إلى منهجية الواقع العلمى الواضح.

ولقد خضع موضوع المنطق في مراحل تاريخه المتعاقبة لتحولات عديدة أثَّرت فيه شكلًا وموضوعًا، خاصة تلك التى ارتبط فيها بعلم الرياضيات، والتى وفرت له من النظريات والأساليب ما لم يكن متوفرا له من قبل.

قفزة هائلة تلك التى أحدثها هذا الارتباط في وظيفة المنطق وهيئته؛ فبدت وكأنها خطا فاصلا بين قديمه وحديثه، فما قبلها بات يعرف بالمنطق التقليدى القديم، وما بعدها أطلق عليه المنطق الرمزى الحديث.


فما هو المنطق ؟وما هى وظيفته؟ وما الفرق بين المنطق التقليدى القديم والمنطق الرمزى الحديث؟

يعرف المنطق لغة باسم "Logic" وهى كلمة مشتقة من كلمة "logos" اليونانية، والتي تعني في الأصل الكلمة والمقصود ما تحمله هذه الكلمة من فكر أو" لب الفكر وروحه وجوهره" [1] على حد قول الجابرى، وهو لفظ لم يستخدمه أرسطو نفسه، إذ كان العنوان الذى اندرج تحته عمل أرسطو بالمنطق هو "العلم التحليلى"[2].

أما المنطق اصطلاحا، فقد عرَّفه أرسطو ( 384 ق.م - 322 ق.م ) بأنه: (آلة العلم، وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه) [3] وهو وإن كان أول تعريف للمنطق إلا إنه ينطوى على تصورٍ واضحٍ لوظيفة المنطق، وإذا ما ذهبنا إلى تعريف الجرجانى (1009- 1078م)، والذى يفصله عن تعريف أرسطو أربعة عشر قرنا من الزمن، لوجدناه لا يبتعد كثيرا عن تعريف أرسطو، فقد عرف الجرجانى المنطق بأنه "الآلة القانونية التى تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ فى الفكر" [4]، وكما هو واضح لنا، فإن التعريفين لا يختلفان من حيث المعنى رغم ما بينهما من فارقٍ زمنى كبير.

بل أنه وبرغم ظهور المنطق الرمزى الحديث وما أحدثه من تطور هائل في وظيفة المنطق إلا أنه لم ينل من تعريفه الأول أو وظيفته التاريخية؛ فقد عرفه "جيفونز" في النصف الثانى من القرن التاسع عشر بأنه: "علم قوانين الفكر" [5]، كما عرفه "كـينز" بأنه "العلم الذي يستقصي المبادئ العامـة للفكــر الصحيـح" وكلاهما لا يختلفان عن التعريف الأول للمنطق، الذى عرفه به مؤسسه، كما لا يتعارض أى منهما مع طبيعة المنطق ووظيفته فى أىٍ من مراحله المختلفة، ذلك لأن موضوع المنطق هو دراسة أشكال وقوانين الفكر ذاته[6].

وعليه فإنه لا يوجد اختلاف بين المنطق التقليدى القديم والمنطق الرمزى الحديث من حيث التعريف أو الوظيفة؛ فالمنطق الرمزي الحديث لم يكن علما مستحدثا ليأتى مستقلا في تعريفه أو وظيفته؛ وإنما كان تطويرا للمفاهيم والتقنيات التي تضمنها عمل أرسطو".


فما الفرق إذن بين المنطق التقليدى القديم والمنطق الرمزى الحديث ؟

لقد تميز المنطق الرمزي بالطبيعة الرياضية التى سمحت له بالتوسع في استخدام الرموز المرنة على حساب اللغة المقيدة، فدقة اللغة الرمزية قادرة على توضيح التركيب المنطقى لاستدلالاتنا، بينما اللغة العادية عاجزة عن ذلك [7] وبالتالى ساعدت تلك الرموز على عرض أكبر للقضايا والحجج المنطقية بشكل أكثر وضوحًا، وبخاصة تلك التى يصعب التعبير عنها باللغة العادية، كما هيأت للمناطقة رسم الاستنتاجات وتقييم الحجج بشكل أوضح وأسهل [8]، ما جعله أداة أكثر قوة في التحليل والاستنتاج.

كما أن دور المتغيرات فى المنطق الرمزى أوسع بكثير مما كان عليه فى المنطق التقليدى، صحيح أن أرسطو أدخل الفكرة المهمة للمتغير في منطقه من خلال التعبير:

{ x + 2 = 5}

إلا أنه اقتصر على الأحرف الأبجدية في تمثيل المصطلحات المستخدمة في الحجج المنطقية، وفى هذا يعرض أرسطو مثالاُ يوضح لنا ذلك:

الحجة المنطقية: كل الرجال فانون، أرسطو رجل، لذلك فإن: أرسطو فانٍ

وتم التعبير عنها باستخدام رموز المنطق الأرسطي على النحو التالي:

كل M هو P ، S هي M لذلك فإن: S هي P

لكن استخدام المتغيرات في المنطق الرمزي الحديث جاء أوسع من ذلك بكثير؛ ففي المنطق الرمزي، تستخدم متغيرات البيان والمحددات الكمية للتعبير عن شكل الحجج، ولا تكتفى بالتحليل الكيفى كما عند أرسطو.. [9]

كما أن النسق الاستنباطى الرياضى بما يحتويه من صيغ يتعامل مع البناء العقلى المتكامل المترابط الأجزاء حيث يتكون النسق الاستنباطى من مفاهيم غير معرفة، ومفاهيم معرفة، ومجموعة من القضايا التى يتم تقبلها بدون برهان، تدعى البديهيات، ومن خلالها تتم البرهنة على قضايا النسق الأخرى، والتى تؤلف مجموعة المبرهنات [10] وبالتالى فإن النتائج تكون أكثر صدقا من النتيجة التى يمكن أن نحصل عليها بأدوات المنطق التقليدى القديم، والتى كان المثال السابق نموذجا لها.

ويتضح مما سبق أن المنطق الرمزى وبفضل ما يتمتع به من خصائص رياضية مثل استخدامه المكثف للرموز والمتغيرات والنسق الاستنباطى الذى يعتمد البناء العقلى المتكامل ، يمكنه القيام بكل مهام المنطق القديم، لكنه قادر كذلك على القيام بالكثير من المهام التي لم يكن المنطق القديم قادرا عليها، فالتعبير الرياضي، والتحليل، والاستنباط، والاستعانة بالملاحظة التجريبية، والنماذج الرياضية، كل ذلك هيأ له نتائج أكثر صدقا وموضوعية. فإذا كان المنطق التقليدى القديم قادرا على توفير طرق لاختبار صحة حجج اللغة العادية، فإن المنطق الرمزى قادر على توفير آليات اختبار صحة الحجج التي لا يمكن اختبارها بالمنطق التقليدى القديم.


الهوامش:

[1] - على حسن الجابرى - علم المنطق الأصول والمبادئ – دار الزمان للطباعة والنشر - 2010

[2] - علي سامي النشار ، المنطق الصوري منذ ارسطو حتى عصورنا الحاضرة ، 2000 ، دار المعرفة الجامعية

[3] - علي سامي النشار، المنطق الصوري (منذ أرسطو حتى عصورنا الحاضرة)، دار المعرفة الجامعية، 2000، ص15

[5]- عبد الكريم بن إبراهيم العرينى – فن المحاماة بالذكاءات المتعددة – مكتبة القانون والاقتصاد – الرياض – ط 2016

[6]- الكسندر ماكوفلسكى، تاريخ علم المنطق، نقله إلى العربية نديم علاء الدين، إبراهيم فتحي، دار الفارابي، بيروت، ط ،1987

[7]- اسعد الجناينى – المنطق الرمزى المعاصر – دار الشروق للنشر والتوزيع - 2007

[8] - UNIVERSITY OF CALICUT- ESSENTIALS OF SYMBOLICLOG - BA PHILOSOPHY - V SEMESTER- Admission 2011

[9]- المرجع السابق

[10]- أسعد الجناينى – المنطق الرمزى المعاصر عن مصدره – دار الشروق للنشر والتوزيع - 2007




مواضيع ذات صلة

First